زيارات من

free counters
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شخصيات مثيرة للجدل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شخصيات مثيرة للجدل. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 25 أبريل 2011

كل هذا الرعب السعودي من الثورات العربية ::: عبد الحليم قنديل


 
عزبة ال سعود
تبدو السياسة السعودية وكأنها داخلة في حرب ضروس ضد زحف الثورات الشعبية العربية. والسبب مفهوم، فالحكم السعودي يخشى اقتراب النار من بيته، ومن حرق حكم العائلة، وفي بلد يمتاز دونا عن كل دول العالم بأن اسمه مشتق من اسم عائلة تحكمه، وكأن كل السكان لا شيء يميزهم، لا من جغرافيا ولا من تاريخ، إلا أن يكونوا رعايا ومن بقية أملاك العائلة، التي تفرض عليهم اسمها، وتحتكر السلطة لأمرائها، وتأخذ نصف الثروة فوق البيعة.
فزع العائلة السعودية من الثورات غريزي وتاريخي معا، وكلنا يتذكر ما جرى في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، فقد توالت وقتها موجات وانقلابات حركات الضباط الأحرار، وتحول بعضها إلى ثورات سياسية واجتماعية فوارة، وظهرت حركة القومية العربية مؤثرة على مسرح الحوادث، وبدا أن الحياة العربية تتغير على نحو عاصف كاسح، وأن المنطقة تخرج من معادلات القرون الوسطى الكسيحة، وتهدد الممالك التي وجدت سندها وحاميها في عواصم الاستعمار، وكانت الثورة المصرية في القلب مما يجري، وبدت أقواس حركتها إلى الشام، وإلى اليمن، وإلى حركات تحرير على حواف الخليج العربي، بدت أقواس حركة الثورة المصرية، وكأنها تحاصر مملكة العصور الوسطى في الرياض، ونشأت حركة الأمراء الأحرار من أبناء العائلة السعودية ذاتها، وبدت مملكة العائلة كأنها في مهب ريح، ولم تجد سندا في بقاء بغير عون صريح من القوة الأمريكية الحارسة لمصالحها البترولية، التي دعمت انقلاب السادات على اختيارات ثورة عبد الناصر بعد حرب 1973، وانطفاء شعلة الثورة العربية، وانحسار دور مصر القيادي، وإفساح الطريق لسيادة العصر السعودي، الذي بدا ممهدا - بطبع الركود فيه - لزحف العصر الإسرائيلي فالامريكي، وإلى حد بدت معه 'جامعة الدول العربية ' مجرد وكالة إضافية تابعة للخارجية الأمريكية .
في السياق نفسه، بدا التحول السعودي ظاهرا في صورة أنظمة الحكم، وساد الحكم بالحق العائلي مشرقا ومغربا، وتحولت الجمهوريات الناشئة إلى ملكيات، وعلى ذات الطريقة السعودية، عائلة تحكم، ومن حولها طائفة من مليارديرات المال المنهوب، ومن تحتها خازوق أمني متضخم ومتورم، وطوائف دروشة دينية وسياسية، تسبح بحمد العرش، وتدير حملات مدفوعة الأجر السعودي لتحطيم ذاكرة الأمة، والتكفير بالثورات، والتذكير بفضل خادم الحرمين، وفضل خليفة المسلمين الساكن في البيت الأبيض، الذي يذود بجيوشه وحاملات طائراته عن حياض الممالك، ويقصف الثائرين والمتمردين.
بدا الحكم السعودي كأنه يريد أن يثأر لنفسه، وعلى طريقة الإغراء بالولائم البدوية، وبمليارات فوق مليارات من فوائض البترول هذه المرة، تجتذب إليها طوائف من المتاجرين بالدين والسياسيين المترفين والإعلاميين الكتبة والكذبة، وتكونت امبراطورية ضغط هائلة، جهدت في تجريب نفوذ قديم لدى جماعات الإخوان المسلمين، لكن القصة تعثرت كثيرا، واتجهت جماعات من الإخوان لمعارضة نظم الحكم بالحق العائلي، فيما مالت جماعات أخرى للالتحاق بخط المقاومة المسلحة للاستعمار الامريكي - الإسرائيلي، وخرج الذين دعمتهم العائلة السعودية في حرب أفغانستان عن طوعها، وتحولوا إلى عدو مشترك للأمريكيين والعائلة السعودية معا، كاد السحر ينقلب على الساحر، ويدفع الحكم السعودي لمزيد من الالتصاق بالحماية المباشرة للأمريكيين، إضافة للخوف من النفوذ الإيراني الراديكالي، وطرقه السالكة إلى دعم جماعات المقاومة الإسلامية على خط القتال في فلسطين وفي لبنان .
ومثلما فوجئ الحماة الأمريكيون بالثورات الشعبية العربية، وبعنفوانها واندفاعها الكاسح، ونجاحها المذهل في خلع عروش العائلات، مثلما فوجئ الأمريكيون، وأخذوا يضربون أخماسا في أسداس، فقد فوجئت العائلة السعودية التي تكره كلمة الثورة بالخلقة، وتتخوف من دواعيها المهددة لحكم العروش والكروش، فالثورات هذه المرة أتت من حيث لا يتوقعون، لم تأت بانقلابات الضباط الأحرار، بل بحركة الناس الأحرار، وبنزح طوفاني من آبار غضب مختزنة، وبدواعي شعور عميق حارق بالمهانة، تدفقت معه الملايين الغاضبة للشوارع، وفي ما بدا أنه حكم الأقدار الذي لن يذر عائلة تحكم بالغصب، وحتى لو ظنت نفسها في بروج مشيدة، وفوق تلال من مليارات بل تريليونات المال المسروق، وفي حمى سلاح أمريكي ثبت أنه لا يقدر حتى على حماية مؤخراته، ولا على حماية رجاله في لحظة الخطر .
ولم يكن للحكم السعودي أن يتصرف بغير الطريقة التي يعرفها، والتي تتجنب كل معنى للإصلاح أو التغيير، خشية الزوال، وتؤثر أن تدفع المال دفعا للخطر، وتفضل التوقيع على دفتر الشيكات، وكان الشيك الأول من نصيب الشعب في السعودية، فقد دفعت العائلة من حسابها ثلاثين مليار دولار في صورة معونات عاجلة، وعلى ظن أنها تهدئ النفوس، وتتجنب مصير عائلة بن علي في تونس، لكن الشعور بالقلق راح يجتاح صفوف الآلاف من أمراء العائلة السعودية، فقد قفزت الشرارة فوق الحدود، ونشبت الثورة في مصر، وحيث تكتب مصائر الأمة من جديد، وبأيدى الناس هذه المرة لا بأقفال الحراس .
كان انتقال الثورة من تونس لمصر مثيرا لرعب العائلة السعودية، ونشطت الاتصالات في الكواليس، وتوالت جهود الضغط المحموم، وفتحت الرياض دفتر الشيكات ثانية، وبدا التحرك العائلي السعودي منسقا بالكامل مع الأمريكيين مباشرة، ومع الإسرائيليين من وراء ستار، بدت حملة انقاذ مبارك ممولة سعوديا بالكامل، لكن الفشل كان من نصيبها، فهي لا تفهم لغة الثورات، وحظها من العلم محصور بأرقام الثروات، فقد جرى خلع مبارك رغم عرض الخمسة مليارات دولار، وصدر قرار حبسه رغم التهديد بطرد مليون مصري عامل في الديار السعودية، ودفع الفشل عائلته إلى تصرفات انتقامية مكشوفة، بينها دفع جماعات من السلفيين - الممولين سعوديا - إلى إشعال النار في مصر .
وفي المحصلة، يبدو الفزع السعودي غريزيا، وبدواعي حفظ الملك العائلي العضود، والمنقطع الصلة بصحيح الإسلام، وجلال تعاليمه، فالإسلام لا يسيغ الظلم، ولا يقبل نهب الثروات، ولا جعل الحكم حكرا لشخص ولا لعائلة، وقد جاءت ساعة الحساب، وبإرادة الشعوب التي هي من إرادة الله، وبالصمود الباسل لملايين الناس ذوي الصدور العارية، والنفوس المعبأة بأشواق استعادة الكرامة الإنسانية، وبحس هائل للتضحية تسيل معه دماء الشهداء بالمئات والآلاف، وبتصميم قاطع على كسب الحرية، وتحطيم نظم الحكم الديناصورية، خاصة أن قانون المنطقة ذاته يسري هذه المرة كما في كل مرة، فقد تناسلت ثورة مصر في ثورة اليمن، وقبلها في ثورة البحرين، وبعدها في ثورة الشام، وفي ثورة ليبيا المأزومة الآن، وفي انتفاضات الأحرار من بغداد إلى مراكش، والعظة ظاهرة، فما يجري في مصر يؤثر بشدة في عواصم العرب كلها، ويخلق روحا ثورية جديدة، تنتصر لحلم بناء جمهوريات وطنية ديمقراطية، وتقيم حكم الشعوب، وتقصي حكم العائلات، ولن تكون عائلة الرياض بمنأى ولا بمنجاة، فالثورة الآن على الحافة السعودية، وقادمة من جبال اليمن.
 
 كاتب مصري

الاثنين، 18 أبريل 2011

عبد الحليم قنديل محاكمة المخلوع

 

كان حلما فخاطرا فاحتمالا فتحقق، وصدر القرار بحبس مبارك ونجليه، وذهبوا إلى مكانهم الطبيعي في سجن مزرعة طرة على أطراف حي المعادي القاهري الشهير.
لسنوات طوال، ومنذ مطالع القرن الجاري، كان كاتب السطور ينهي خطاباته إلى الجمهور بجملة أثيرة لديه، وهي أن هذا النظام ـ نظام مبارك ـ يستحق أن يحاكم لا أن يحكم، وأن هذه العائلة ـ عائلة مبارك ـ تستحق أن تحاكم لا أن تحكم، وأن هذا الرجل ـ مبارك ـ لا يستحق أن يحكم، بل أن يحاكم.
كان هذا الكلام يقال في ظل مبارك، وتحت حكمه الطاغي، وفي مقالات وخطب واجتماعات، وبحيثيات اتهام كاملة الأوصاف، وبطلب الإعدام لمبارك الذي ارتكب جرائم الخيانة العظمى في حق مصر وأهلها، ويستحق الإعدام ألف مرة ليكون عبرة لمن لا يتعظ.
كان الرهان على الشعب المصري، الذي ظن كثيرون أنه مات سياسيا، أو أنه أخذ اجازة طويلة من التاريخ، وكان الظاهر يغري هؤلاء باعتقادهم الخاطئ، لكن باطن الأرض كان يحمل أثقالها، وكانت الإشارات والنذر لافتة ملهمة، وكان كاتب السطور يحذر القانطين من مكر مصر، وخداع وجهها الراكد، كان يقول دائما: ان مصر تبدو هادئة كصفحة النيل، لكنها ـ في لحظة ـ تتحول إلى بلد داهس كأقدام الفيل، وان غضب مصر وصخبها قد نزل إلى ما تحت الأرض، وكون آبار غضب جوفي طافح، وأن كل ما يلزم الثورة قليل من زاد السطح، وكتلة حرجة، قدرها كاتب السطور، منذ عام 2004، بتحرك مئة ألف شخص لا غير، وفي ميدان التحرير بالذات، وأن هذه الكتلة كافية لرفع الغطاء عن آبار الغضب، وأن الخطأ الأمني الخلقي للنظام سيتكفل بباقي المهمة، فتنزح الملايين من آبار بلا قرار، ولا تترك حجرا فوق حجر، وتقصي مبارك عن كرسي الرئاسة المغصوب، وتذهب به إلى سجن الترحيلات، وجاءت حوادث ثورة 25 يناير تطبيقا حرفيا لما توقعناه، وحققت النبوءة نفسها.
وقد دخل 11 شباط/فبراير 2011 إلى التاريخ كواحد من أعظم أيام مصر، ففي نهايته الدرامية جرى إقصاء مبارك، تحت ضغط الثورة الشعبية المصرية، وأعلن الجيش انحيازه لثورة الشعب، ولشرعيتها الجديدة، وتكون وضع جديد، بدت فيه عناصر التفاؤل مختلطة بدواعي الريبة، وآلت فيه السلطة الواقعية إلى المجلس العسكري بصورة موقوتة، ولمرحلة انتقالية قصيرة، تعددت حولها الرؤى، وتصاعدت فيها الشكوى من تباطؤ المجلس العسكري في إجراءات كنس نظام مبارك، وبدت قضية إحالة مبارك إلى المحاكمة كأنها العقدة المستعصية، وهو ما استدعى ضغطا شعبيا ظاهرا، تكونت موجته الثانية بسرعة، وبدوافع حراسة الثورة ورعاية أهدافها، وكانت مليونية الجمعة (8 نيسان/أبريل 2011 ) حاسمة، وصدر قرار حبس مبارك وابنيه في تاريخ مجيد آخر، هو 13 إبريل 2011، وفي تاريخي 11 فبراير و 13 إبريل، بدت وحدة الشعب والجيش في أجلى مظاهرها، وتلقت الثورة المضادة هزيمة قاسية، وتكشفت مؤامرة الترتيب لانقلاب عسكري لصالح عائلة مبارك المخلوعة، وهو ما قد يؤسس لتفاهم جديد بين القوى الثورية، والمزاج الوطني الغالب في المجلس العسكري، فالانتصار الذي تحقق بإحالة مبارك إلى المحاكمة، التي تبدأ جلساتها بتاريخ 19 إبريل 2011، هذا الانتصار لا تكمن أهميته في مجرد التقدم إلى إجراءات جنائية، وبحق زعيم العصابة التي حكمت مصر زورا لمدة ثلاثين سنة، بل بدت القضية أوسع نطاقا، بدت كمعركة تحرير وطني حقيقية، بدت حربا حقيقية، وإن دار غالب فصولها في الكواليس واللقاءات المغلقة، وخرجت بعض فصولها إلى العلن، فقد لحظت الدنيا كلها واقعة الشريط الصوتي لمبارك، الذي أذاعته قناة 'العربية' الممولة سعوديا، بدت قصة كتابة النص وإعداد الشريط وبثه عملا مخابراتيا منظما، فقد كان الرجل تحت الإقامة الجبرية في شرم الشيخ، ويفترض أن الاتصالات مقطوعة عنه بالكامل، وبدا مبارك المخلوع في بيانه الصوتي كأنه الرئيس البريء المفترى عليه، وحرص على مخاطبة المصريين بتعبير 'الإخوة والأخوات'، بدا الأمر كله أكبر من سعي لتبرئة الرئيس المخلوع، بل سعيا حقيقيا للعودة إلى كرسي الحكم، وبدعم سعودي ظاهر، وبزيارات مكوكية للأمير سعود الفيصل إلى القاهرة، وبتهديدات سحب الاستثمارات، والتلويح بطرد المصريين العاملين في السعودية، وترافقت التحركات السعودية الضاغطة لمنع محاكمة مبارك، ترافقت مع تحركات ميدانية في 'الغرف السوداء' بالقاهرة، برزت فيها أدوار الملياردير محمد إبراهيم كامل وثيق الصلات بالاسرائيليين وبعائلة مبارك، فيما تحرك آخرون داخل حرم الجيش نفسه، ورد المجلس العسكري بسرعة وحسم، وأحال كامل وجماعته إلى محاكمة عاجلة، وأحبط تحركات أخرى أخطر بالقرب من الرأس، ووجه ضربته الحاسمة في الوقت المناسب وبترتيبات غاية في الإحكام، فاجأت الرئيس المخلوع وعائلته الفاسدة، وبعد أن بدا، لوقت غير قليل، أن المجلس العسكري في حالة حرج، وأن البعض ربما ينتظر قدوم عزرائيل والحل السماوي المنقذ من المأزق.
والبدء في محاكمة مبارك أكبر في مغزاه من استدعاء ظالم، أو استدعاء عائلة فسدت وطغت، إنها الفرحة الثانية الكبرى للمصريين بعد فرحة خلع الطاغية من كرسي الرئاسة، وهي أقرب، بالمغزى، إلى إعلان نوايا لاستعادة استقلال مصر، فقد كان مبارك يحكم مصر بالتوكيل الأمريكي الإسرائيلي، وكان أعظم كنز استراتيجي لإسرائيل على حد وصف جنرالاتها، بل وصف شيمعون بيريز مبارك بأنه أهم شخصية في تاريخ إسرائيل بعد المؤسس بن غوريون، سبب الأهمية ظاهر، فقد كان مبارك خادما أمينا لإسرائيل، وليس مجرد مسالم مضطر لمهادنتها، كان شريكا في المجهود الحربي الإسرائيلي، وكان يحكم مصر بمقتضى معادلة مريحة جدا للإسرائيليين، كان يخدم إسرائيل كسبا لرضا الباب العالي في واشنطن، وحتى تجدد له تأشيرة البقاء في قصر الحكم، وتوريثها لنجله من بعده، والمحصلة أن مصر فقدت استقلالها الوطني، بنزع سلاح غالب سيناء، وبنزع سيادة القرار في القاهرة، وبوضع آمر ممتاز للسفير الأمريكي في القاهرة، وإلى حد جعله في مكانة المندوب السامي، ومع زلزال الثورة المصرية الأخيرة، بدت إسرائيل في حالة فزع على مستقبلها في مصر، وأدارت حملة ضغوط عاتية باتجاه واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى، ولم تكن النتيجة مريحة لتل أبيب، فقد انتصرت الثورة الشعبية المصرية رغم أنف الضغوط، وانحازت قيادة الجيش إلى ثورة الشعب، ورفضت الدخول في صدام بالنيران مع المتظاهرين بالملايين، وخلعت مبارك من دون اتفاق معه، واكتفت بإبلاغه تليفونيا، وفي لحظة حسم كان لا يصح أن تتأخر، فقد كانت خطط الغزو الأمريكي الإسرائيلي على وشك الدخول إلى حيز التنفيذ، وفيما راحت واشنطن تضغط في الكواليس على القيادة الجديدة، فإنها تركت أمر الضغوط الأكثر خشونة للحكم السعـــودي، وبدت الخطة الجديدة ظاهرة الأهداف، هدف الحد الأقصى هو إعادة مبارك للحكم، وهدف الحد الأدنى هو منع محاكمة المخلوع، وتحولت القصة الأخيرة إلى حلبة شد وجذب وضغط شرس ملح، ووجد المجلس العسكري سندا هذه المرة من مليونيات الشارع المصري اليقظ، وبما أنهى التردد، وشجع على خوض المعركة لآخرها، وأصبح في مصر رئيس مخلوع برياح ثورة، وطاغية يحاكم وطنيا لأول مرة في التاريخ العربي الحديث.

 كاتب مصري عانى من حكم اللصوص

الاثنين، 21 مارس 2011

الأوطان والأوثان

عبد الحليم قنديل
 
فض شباب الثورة المصرية لقاء هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية، بدا السلوك في محله تماما، ويؤكد الطبيعة الوطنية الخالصة للثورة المصرية الشعبية الكبرى .
بدا سلوك الثوار في غاية النضج، فلا أحد في مصر يجهل حقيقة أمريكا الشيطانية، واندماجها الاستراتيجي الكامل مع إسرائيل، ودعمها لنظام الديكتاتور المخلوع، الذي بدا كوثن يحبه البيت الأبيض، ويكرهه المصريون، الذين يتزايد انتباههم إلى أولوية استعادة الاستقلال الوطني، وتحرير مصر من التبعية المزمنة للسياسة الأمريكية، ومن قيود نزع السلاح وهوان السياسة المترتبة على ما تسمى معاهدة السلام المصرية ـ الاسرائيلية .
صحيح أن المعركة الوطنية طويلة في مصر، وسوف تتوالى فصولها، لكن كسب الحرية في ذاته، لا يعني فقط فرصة لتقدم إلى إقامة نظام ديمقراطي، بل إنه فرصة حقيقية لاستعادة الاستقلال الوطني الذي جرى تجريفه، فقد كانت ديكتاتورية مبارك اللصوصية وبالا على الوطن المصري، وبقدر ما كانت كابوسا جاثما على صدور الشعب المصري، فقد فقدت مصر مكانتها، وفقدت حصانتها الوطنية، فقدت استقلالية قرارها، وتراجعت مصالح المصريين إلى ذيل القائمة، فيما كانت الأولوية لمصالح الأمريكيين والإسرائيليين، وكانت قاعدة مبارك الذهبية للبقاء في الحكم في تمام الوضوح، كان الديكتاتور القاتل يخدم إسرائيل كسبا لرضا الباب العالي في واشنطن، وطلبا لتجديد أوراق الاعتماد وتأشيرات الإقامة في قصر الحكم، ومع نشوب الثورة، لم تنفعه أمريكا التي أمدته بكل أدوات القمع، ولا نفعته إسرائيل التي كانت في مقام الست أمه، وكانت تعتبره أعظم كنوزها الاستراتيجية.
في المثال المصري، بدت العلاقة عكسية بين الأوثان والأوطان، فقد جعلوا من الحكام أوثانا، وجعلوا الأوطان في وضع الضحية، وبدا ـ بالمقابل ـ أنه لا حرية مع استبداد، ولا حرية مع استعمار أيضا، وأن كلفة القهر التي يعانيها الناس، هي ذاتها كلفة التفكيك التي تعانيها الأوطان، في مصر بدا خطر تفكيك النسيج الوطني ظاهرا، وبمفاقمة الاحتقان الطائفي بالذات، وبالتوازي مع القهر والنهب والتبعية للاستعمار الأمريكي الإسرائيلي، ولم يصل الأثر في مصر إلى حد التهديد بالتفكيك الجغرافي، ربما لحصانات التكوين المصري، وهو ما لا يتوافر بالقدر نفسه في أقطار عربية أخرى، تتطابق نظمها في التكوين مع النظام المصري المخلوع، وتسري إليها شرارة الثورة نفسها، ويحارب طغاتها معركتهم الأخيرة، ويحرقون الأوطان حفظا لعبادة الأوثان.
في ليبيا مثلا، تبدو المأساة في ذروة دموية، بدأت الثورة الشعبية سلمية تماما، وعلى المثال المصري وقبله المثال التونسي، وانتقلت الشرارة بسرعة البرق على خط مدن الساحل الليبي، المتباعدة جغرافيا، وكادت تحقق أهدافها في أيام، كادت تذهب بالديكتاتور الليبي إلى سلة مهملات التاريخ، لكن الديكتاتور القذافي بدلا من أن ينصت لصوت الشعب، أنصت لصوت نفسه وأصوات عياله، وتوالت هلاوسه، وتصور نفسه وثنا معبودا، وصمم على حرق الأخضر واليابس، وأشعلها حربا أهلية، فليبيا لا تهمه في شيء، إلا أن تكون مزرعة خاصة له ولعائلته، وهو الذي سرق ثروة الشعب الليبي، واستذل الليبيين، وحولهم إلى شعب شديد الفقر في بلد شديد الثراء بموارده البترولية الممتازة، وفي لحظة الجد تبخرت شعاراته الفارغة عن سلطة الشعب، وواجه شعبه بالسلاح، وبدا مصمما على تفكيك ليبيا ذاتها، وتعريضها لخطر التدخل الأجنبي، وإعادة احتلالها، وكأنه يفضل تسليم ليبيا للاستعمار، أو تجزئتها إلى دويلات، أو حرق آبار بترولها، وذلك كله حرصا على مقام السلطان، وبتسميات مثيرة للسخرية من نوع قائد الثورة الأممية وملك ملوك أفريقيا، ويسمى نفسه إماما للمسلمين، بل ويتحدث عن نفسه كإله، ويسوق كل هذا الخبل الدموي بهدف واحد وحيد، هو أن يبقى صنما تتداعى إليه الغنم.
وفي اليمن، تبدو حركة الثورة الشعبية التلقائية أكثر نضجا، فلم تتورط إلى الآن في صدام بالسلاح، وصممت على طبيعتها السلمية، وصبرت على احتمال الأذى، وقدمت قوافل الشهداء، وبدت طبيعتها الوطنية الوحدوية خالصة، فقد جمعت مدن اليمن شماله وجنوبه على إيقاع واحد، وهو إنهاء حكم الديكتاتور علي عبد الله صالح، وخلع حكمه العائلي المتسلط الناهب، الذي حول اليمن إلى دولة فاشلة على شفا التفكيك، وفي مواجهة يائسة مع مخاطر القاعدة والحوثيين والحراك الجنوبي الانفصالي، وسمح لسلاح الأمريكيين بأن يضرب في اليمن، مقابل إعانات خاصة له ولعائلته ولجماعته، فقد انتهت سيرة 'الوثن' اليمني إلى تفكيك الوطن نفسه، بينما بدت الثورة الشعبية ـ بالمقابل ـ عملا توحيديا بامتياز، وردا لاعتبار الوطنية اليمنية الجامعة، وأبدت نضجا هائلا في تجنب اللجوء لحروب السلاح، وفي احتذاء عظات وشعارات المثال المصري الملهم، رغم أن التركيب اليمني بعشائريته وقبليته الظاهرة، كان يغري أكثر باحتمالات التورط في الخطأ، الذي تجنبته الثورة اليمنية بحرص ووعي ممتاز، وهو الوعي الذي لم يتوافر بالقدر نفسه في أحوال الثورة الليبية الباسلة، وجعلت الثورة تبدو وكأنها افتتاح لحرب أهلية، وعلى غير طبيعة الثورات العربية الراهنة، التي توحد نسيج الأوطان بندائها السلمي الجامع، وتخصم من حساب عبادة الأوثان .
وفي البحرين، بدأت الثورة الشعبية بنضج ظاهر، ثم انتقلت إلى تمرد مذهبي، ووفرت للحكم فرصته الذهبية، وهي أن يبدو مدافعا عن سنة البحرين ضد الخطر الشيعي، مع أن القضية الأصل لا خلاف فيها بين سنة وشيعة، وهي رفض شرور الملكية المطلقة، التي حولت البحرين إلى مركز قيادة للأسطول الأمريكي، فالطبيعة الوطنية للاتجاه إلى الثورة ظاهرة الأسباب، والطبيعة الديمقراطية كذلك، فمن حق شعب االبحرين أن يحكم نفسه بنفسه، ومن دون وصاية عائلة تحكم بلا تفويض شعبي، وتعتبر البحرين من أملاكها الموروثة، وتؤجج نزاعات السنة والشيعة حفظا لملكها، وتستعين بقوات السنة من السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، التي تدخلت بغلظة لقمع ثورة البحرين، مع أن هذه الدول ذاتها فعلت العكس في الحالة الليبية، وطلبت التدخل الأمريكي بدعوى حماية الثوار الليبيين، وكأنه من حق شعب ليبيا أن يثور، وأن تتوافر له الحماية من بطش كتائب القذافي، بينما ليس من حق شعب البحرين أن يثور، ولا أن يطلب استعادة البحرين لأهلها لا لأوثان أمريكا.
وفي المحصلة، فإن استمرار نظم الأوثان يؤدي إلى تفكيك الأوطان، بينما الثورات الشعبية السلمية توقظ روح الشعوب، وتحمي الأوطان من خطر التداعي، وتنهي غربة الناس في أوطانهم، وتستعيد رباط 'العروة الوثقي' بين حرية المواطن وحرية الوطن، فالمواطن الحر هو الذي يحرر الوطن المستعبد، والثورة التي تخلع الاستبداد، هي ذاتها الثورة التي تتصدى للاستعمار، فالأوطان محتلة بقدر ما أن الشعوب مقهورة، والحكام أوثان بقدر ما هم دمى للاستعمار، وتحطيم الأوثان يعيد بناء الأوطان على أسس المواطنة الكاملة، وبلا تمييز طائفي أو جهوي أو قبلي عشائري، والطبيعة الوطنية الجامعة هي العنصر الأهم في ضمان نجاح الثورات العربية المعاصرة، وهو ما ينبغي أن يلتفت إليه صناع الثورات السلمية، وأن يحذروا عبور السلك الشائك من حدائق الثورات إلى حقل ألغام الحروب الأهلية.

الاثنين، 7 مارس 2011

هزيمة إسرائيل في مصر -عبد الحليم قنديل



إسرائيل هي الخاسر الأعظم في مصر بعد ثورتها الشعبية العظمى، فقد كان الرئيس المخلوع مبارك ـ بتعبير بنيامين بن أليعازر ـ أعظم كنز استراتيجي لإسرائيل، وقد فقدت إسرائيل كنزها الاستراتيجي .
لا نعني ـ بالطبع ـ أن مصر الجديدة سوف تحارب إسرائيل في المدى الأقرب، بل نعني ـ بالدقة ـ أن مصر من الآن سوف تكف عن الحرب إلى جوار إسرائيل، وسوف تنهي عار المشاركة المصرية في دعم المجهود الحربي الإسرائيلي، وسوف تدخل علاقات السلام 'إياه' إلى نفق أزمة مستحكمة الحلقات .
لا نهون ـ بالطبع ـ من فداحة ما جرى عبر ثلاثين سنة مضت، ومنذ أن بدأ تنفيذ ما يسمى 'معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية'، فقد جرى نزع سلاح سيناء إلى عمق 150 كيلومترا، ثم جاءت المعونة الأمريكية الضامنة، فنزعت سيادة قرار السياسة والاقتصاد في القاهرة، وتكون خطان للحدود المصرية، أحدهما عند خط قناة السويس بسيادة عسكرية كاملة، والآخر عند خط الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة، وبسيادة منقوصة ثم منزوعة السلاح، وفي الفراغ الواسع المتدرج بين الخطين، بدت السيادة المصرية اسمية، وبدت سيناء كأنها عادت إلى مصر بطريقة مخاتلة جدا، عادت سيناء لمصر على طريقة الذي أعادوا له قدما وأخذوا عينيه، وبدا كأن الاحتلال العسكري الإسرائيلي لسيناء زال، بينما الاحتلال السياسي الأمريكي للقاهرة بدأ، بدت مصر رهينة لأوامر السياسة الأمريكية في القاهرة، ورهينة لحد السلاح الإسرائيلي بظلاله على سيناء، وبدا الرئيس المصري السابق بإقامته غالب الوقت في شرم الشيخ، أي في المنطقة منزوعة السلاح المصري بالكامل، وكأنه لاجئ لحماية إسرائيل، وهارب من حساب المصريين.
وإلى الآن، وبعد مرور أسابيع على خلع مبارك رجل إسرائيل المفضل، لا يبدو من انقلاب جوهري قد حدث، فلا يزال القيد الموروث في معصم مصر، وربما يظل القيد ضاغطا لمدى مفتوح، وبالتوازي مع ما يجري في القاهرة، فالسلطة الآن للمجلس العسكري، وإلى أن تنتهي فترة الانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي، لكن المجلس العسكري ـ رغم ملابسات مقلقة ـ لا يبدو مستعدا لخدمة إسرائيل كما كان مبارك، واستجاب بسرعة لنداءات إعادة فتح معبر رفح لفك حصار الفلسطينيين، وإن كان الفتح لا يزال جزئيا، وليس كاملا ودائما، كما يطالب الوطنيون المصريون، وفي قضية تصدير الغاز المصري لإسرائيل، بدا المجلس العسكري أقل مبالاة بمخاوف إسرائيل، فقد هرب ملياردير تصدير الغاز حسين سالم المقرب من مبارك، وصدر قرار بضبطه وإحضاره وتقديمه للمحاكمة، وأوقف تصدير الغاز لأجل غير مسمى، ثم جرت معركة ذات طابع رمزي لا يخفى، تمثلت في دواعي قرار السماح من عدمه بعبور سفينتين حربيتين إيرانيتين لقناة السويس إلى ميناء طرطوس السوري، وظهرت كثافة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية لمنع العبور، لكن المجلس العسكري قرر إعطاء الإذن بالعبور في النهاية، ووضع مبدأ السيادة الوطنية المصرية فوق اعتبارات التجاوب مع رغبات تل أبيب وواشنطن .
نعم، تبدو الخطوات صغيرة من زاوية نظر الوطنية المصرية، وربما تقبل الانتكاس والتعثر، لكن الاتجاه العام لتيار الحوادث في مصر له دلالة لا تخفى، وبالنسبة لإسرائيل بالذات، فإن الخسارة تبدو مؤكدة، والسبب ظاهر، فمع انفتاح الحياة السياسية المصرية، وفسح المجال لحرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات، واسترداد حريات التظاهر والاعتصام والإضراب السلمي، والاتجاه لانتخابات حرة بعد نهاية الفترة الانتقالية، فسوف يزيد الالتفات إلى تشوهات العلاقة مع إسرائيل، وسوف تدخل القيود المترتبة على ما يسمى معاهدة السلام إلى ساحة الجدل السياسي والانتخابي الساخن، وبصرف النظر عن وجود اتجاهات ليبرالية 'مارينزية' الهوى، لا تريد فتح ملف العلاقة مع إسرائيل، وتريد أن تتخفى بعداوتها الظاهرة لعروبة مصر، رغم وجود هذه الاتجاهات، وأغلبها مجرد ثمرة مرة للاختراق والتمويل الأجنبي والأمريكي بالذات، ومسنودة بمليارديرات المعونة الأمريكية، رغم وجود هذه الاتجاهات والاختراقات، فإن تأثيرها الإجمالي العام يبدو محدودا، ولا يقارن ـ في الوزن والتأثير ـ بالتيارات الإسلامية والناصرية والقومية واليسارية والليبرالية الوطنية، فثمة إجماع وطني ـ شبه كامل ـ على رفض الآثار المترتبة على كامب ديفيد، وبين المرشحين المحتملين للرئاسة، لا يوجد سوى شخص واحد ـ هو محمد البرادعي ـ تحوطه علامات استفهام بالخصوص، فقد تجنب على الدوام أي سؤال عن مصير ما يسمى معاهدة السلام، وعن علاقات التبعية لأمريكا، ويكتفي بهمهمات وطنية عامة، أو بالحديث عن سلم أولويات ديمقراطي، وصحيح أن قضية الديمقراطية ملحة وعاجلة، لكن الكسب الديمقراطي ـ بذاته ـ يفسح المجال لقضية مصر الوطنية، فمصر بلد عربي وحيد المثال، هي البلد العربي الوحيد الذي تكون قضيته الذاتية هي قضية القومية العربية بامتياز، ولو لم تكن القومية العربية موجودة فرضا، لخلقتها الوطنية المصرية خلقا، وفلسطين ـ في الضمير العام ـ هي قضية وطنية مصرية، ووجود إسرائيل في ذاته أعظم خطر على الوجود المصري في ذاته، وكلما أعادت مصر اكتشاف نفسها، نطقت بالعربية الأفصح، وبالذات مع حوادث التاريخ وقوارعه الكبرى، وقد كانت الثورة الشعبية المصرية المتصلة فصولها هي حادث التاريخ المدوي، بعد ثلاثين سنة من الانحطاط التاريخي، والاغتراب عن مشهد العالم، وعن سباق العصر، وزحام أممه .
والمحصلة تبدو على النحو التالي، فقد افتتحت ثورة مصر عصرا جديدا، أخذت قبسا من الشرارة التونسية، لكن النيران حين سرت في مصر، فقد تحولت إلى زلزال استراتيجي، وتوالت ثورات عربية على 'الموديل' المصري، بشعاره العبقري العفوي 'الشعب يريد إسقاط النظام'، جرى الزلزال في مصر، وتوالت توابعه وأصداؤه مشرقا ومغربا، من اليمن إلى ليبيا، ومن العراق إلى الجزائر، ومن الأردن إلى سلطنة عمان، ومن البحرين إلى المغرب، بدت الثورات ديمقراطية في شعاراتها المباشرة، لكنها ـ تحت السطح المباشر ـ ثورات لاستعادة الكرامة للأوطان، وعلى حساب تفكيك الأوثان، وصحيح أن المخاطر واردة، ومساعي الالتفاف جارية، والمحاولات الأمريكية متصلة للاحتواء بعد المفاجأة الصاعقة، وفي مصر تبذل الإدارة الأمريكية جهودا مضاعفة للاحتواء، وتحاول التخفي بوجهها القبيح، وتمزج إغراءات المعونات مع ادعاءات التعاطف، لكن المجرى الرئيسي لحركة التاريخ يتفهم الحقائق بتلقائية مدهشة، ويدرك أن 'ثورة الكرامة' تتناقض في الجوهر مع الاحتلال الأمريكي للقرار السياسي المصري، وقد تحاول أمريكا أن تخفف من حساب الخسائر، لكنها ـ على الأغلب ـ لن تبلغ المراد بالضبط، فالشعور الشعبي المصري جارف في قضية العداء لإسرائيل، واندماج أمريكا الاستراتيجي مع إسرائيل يرشحها إلى مزيد من الخسارة، وصحيح أن المجلس العسكري أعلن احترامه للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وقصد إرسال إشارة اطمئنان بصدد مصير ما يسمى 'معاهدة السلام' وهو ما يفعله في العادة أي نظام يعقب ثورة، لكن المجلس العسكري مجرد وكيل مؤقت، ونائب مؤقت عن الأصيل الذي هو ثورة الشعب المصري، وحين تنفك مصر من قيودها، وهي تنزعها الآن، فسوف يكون مصير معاهدة السلام على المحك، وبواحد من طريقتين في ما نرجح، إما أن تطرح القيود المترتبة على المعاهدة لاستفتاء شعبي عام، كما يطالب الناصريون والإسلاميون، وإما أن يجري القفز على المعاهدة نفسها، وبناء نسق جديد من التفاعلات في السياسة المصرية، يسقط أولوية إسرائيل في الحساب، ويعيد فلسطين إلى الصدارة كقضية مركزية للأمة، وقضية مركزية للوجود المصري في ذاته .
يبقى أننا لا نغفل خطورة اختراقات أمريكية وإسرائيلية واسعة في مصر عبر ثلاثين سنة، ربما الجديد أن اكتساح الاختراق وارد جدا، وبقوة دفع ثورة شعبية عظمى، تعيد النجوم لمدارتها، وتعيد مصر للمصريين، وتستعيد مصرية مصر التي هي ذاتها عروبة مصر

الاثنين، 28 فبراير 2011

أقول للمجلس العسكري = عبد الحليم قندبل



في احتفال جماهيري لتكريم شهداء الثورة المصرية بمدينة السويس، وكان قائد الجيش الثالث الميداني حاضرا، قلت إن هناك تباطؤا يوحي بالتواطؤ، وقلت ان ثقتنا عظيمة بالجيش المصري، لكن السلوك السياسي للمجلس العسكري محل انتقاد، وأنه لا معنى مريحا لحياد بين أهداف الثورة ومطامع جماعة 'شرم الشيخ'، حيث يقيم مبارك وعائلته، وبتواصل مريب مع آخرين في ما يشبه الانقلاب والثورة المضادة.
كانت المناسبة، صدور قرار متأخر يقضي بتجميد أموال مبارك وابنيه والزوجات، كان الحفل مساء 21   فبراير 2011، بينما كان بلاغنا للنائب العام، الذي يطالب بتجميد أموال العائلة، قد مضى عليه 12 يوما كاملة، جرى تقديم بلاغنا قبل خلع مبارك، وفي الأيام الفواصل، جرت محاولات تهريب أموال مما نعلم ومما لا نعلم، وإلى 'جزر آمنة' في الإمارات والسعودية بالذات.
وصحيح أن التحرك بدا جادا، وجرى تقديم طلبات رسمية الى دول أجنبية بتجميد أموال الرئيس المخلوع وعائلته، والاستطراد في محاكمات عاجلة لرجال جماعة مبارك وابنه، من جماعة البيزنس الحرام، ومن جماعة الأمن الداخلي، لكن شخوصا بعينهم جرى تأجيل عقابهم، والتساهل مع أدوارهم المريبة، من نوع صفوت الشريف وزكريا عزمي، حتى تاريخ كتابة هذه السطور، أضف إليهما وضع اللواء عمر سليمان الذي ظل غامضا، وحتى بعد أن جرى تأكيد حدوث محاولة لاغتياله، وهو ما قد يعني أن جناحا من النظام بقي في مأمن، وربما بحكم علاقات قديمة ـ متجددة مع المجمع العسكري في الجيش والمخابرات، إضافة لرعاية خواطر مبارك نفسه، وربما بدعوى كونه واحدا من قادة القوات المسلحة في ما سبق، وعدم الشروع ـ حتى كتابة السطور ـ في محاكمة ابنيه وزوجته سوزان، والأخيرة كانت 'شجرة الضر' بالضاد وليس بالدال، التي قادت مبارك الى حتفه السياسي، وقادت البلد كله الى مهالك ومزالق النهب العام.
ومع كامل الاحترام للجيش المصري، إلا أن الدور السياسي الحاكم للمجلس العسكري ليس فوق النقد، وربما النقض، فالثورة لا تعرف الوقوف في المنتصف، وقد نشأ الدور االسياسي للمجلس العسكري في ظروف صارت معلومة، فقد قضت الأقدار أن تجري الثورة الشعبية المصرية العظمى، كما جرت، وبثورة هائلة بدون قيادة مطابقة، وفي لحظة الحسم، بدت الكرة ذاهبة الى ملعب المجلس العسكري، الذي بدا بدوره كمنطقة عازلة، أبدى نوعا من الحيرة والارتباك في البداية، وسلم بشرعية الثورة وأهدافها، ووضع نفسه ـ على حد تعبير بياناته ـ في خدمتها، لكنه لم يذهب ـ بحساب الأفعال بعد الأقوال ـ الى المدى المطلوب، وهو ما أغرى بتأويل غير مريح لتيار الحوادث المتدافعة، فقد انتهت الثورة الى خلع رأس النظام، وإلى تحطيم أجنحة رجال الأعمال والأمن الداخلي والبيروقراطية السياسية في قيادة ما كان يسمي بالحزب الحاكم، أي أن الثمار كلها سقطت في حجر الجيش، وفي حجر المجلس العسكري بالذات، وثمة تساؤلات في محلها عن هوية وطبيعة بعض جنرالاته، ومدى ارتباطهم بالمعنى الكلي للنظام المتداعي، وعلاقاته وتوافقاته في الإقليم وفي العالم، وفي التأويل بقية من شروح خطرة، وكأن الهدف إعادة بناء نظام مبارك بدون مبارك، وانطلاقا من وضع ممتاز للجيش المصري أفضى إليه زحام الحوادث المتلاحقة.
وقد لا يكون التأويل الخطر في محله تماما، فلا يصح، في الحساب الختامي، أن تنتهي الثورة الى انقلاب سلطة، أو أن تكون النهاية تعديلا في موازين الحكم نفسه، وهو ما لا نتصور أن تقبل به الثورة الشعبية المصرية وطلائعها السياسية، فالجيش هو جيش الشعب المصري، والأمر للشعب أولا، والمجلس العسكري عنده سلطة التنفيذ بدواعي الأمر الواقع، والأهداف العاجلة ناصعة لا تقبل التأويل، فالشعب يريد اسقاط النظام، وقد بدأ بخلع الرئيس، ويريد، الآن، إسقاط حكومة الجنرال أحمد شفيق، فالجنرال شفيق كان، ولا يزال، صديقا مقربا من مبارك وعائلته الفاسدة، وشفيق نفسه تحوطه علامات استفهام وتساؤلات عن ثروته الشخصية ومواردها، ثم أنه ـ أي شفيق ـ في وضع غير شرعي تماما، فقد عينه الرئيس المخلوع، وسقط قرار تعيينه مع سقوط مبارك، والتمديد لحكومة برئاسة شفيق ينطوي على إهانة لثورة الشعب المصري، ونتصور أن الإطاحة بحكومة شفيق هي الواجب الفوري للمجلس العسكري، كذا الإطاحة بقوائم محافظي الأقاليم الفاسدين الذين عينهم مبارك، وهذه النقطة بالذات هي 'اختبار جدية' نوايا المجلس العسكري.
الإطاحة بشفيق والمحافظين هي قطع لعنق وجذع النظام المتداعي بعد قطع الرأس، وكسر هذه الحلقة بالذات يعني توفير قوة دفع هائلة كافية لكنس النظام، وتطهير البلد من الفاسدين الكبار والصغار، فأي ثورة في الدنيا تعني، بالتعريف، هدم نظام وإقامة نظام جديد، وهدم نظام مبارك يعني إزاحة مسؤوليه وتقديمهم لمحاكمات عاجلة، يعني حل حزب الرئيس المخلوع، وإعادة ممتلكاته ومقراته للدولة، يعني حل المجالس المحلية المزورة، وهي حظائر فساد تتسع لما يزيد عن خمسين ألف شخص من سارقي المحروسة، وهدم النظام يعني سرعة البت في محاكمة صفوت الشريف وزكريا عزمي وفتحي سرور، يعني التصفية الكاملة لجهاز مباحث أمن الدولة، ويعني الطرد الفوري لقيادات اتحاد العمال الرسمي، يعني فك الحظر عن انتخابات النقابات المهنية، ويعني الإطلاق الفوري للحريات العامة، حريات تكوين الأحزاب والجمعيات والنقابات، وحريات إصدار الصحف وإنشاء قنوات التلفزيون، وحريات التظاهر والإضراب والاعتصام السلمي، ويعني التنفيذ العاجل لأحكام القضاء بإقرار الــــحد الأدنى للأجور، وإصلاح الخلل الفادح في نظام الأجور، الذي يعطـــــي بعضهـــــم ملايين، ويستبقي الملاليم للأكثرية، ثم أن منطق الهدم يعني تصفية ممارسات النظام المخلوع وتــــــواطئـــه الإجرامي مع إسرائيل في حصار الفلسطينيين، وإلغاء اتفاق الكويز، واتفاقية تصدير الغاز، ولا يصح لأحد أن يضحك علينا أو يستخف بعقولنا، فالابقاء على شخص كأحمد أبو الغيط في موقع وزير الخارجية المصري، مما يحرق أعصــاب الناس، وينطوي على إهانة بالغة لثورة الشعب المصري، ويدوس على كرامتنا الوطنية المهورة بخاتم الدم الشهيد.
تصفية التركة البائسة مطلوبة على وجه العجلة، والمطلوب ـ بذات القدر ـ ألا تنتهي الثـــــورة العظمـــى الى متاهات، أو الى ترقيعات في دستور صار مزقا من ورق، فالدنيا كلها تعرف ألف باء المراحل الانتقالية، وإجماع المصريين منعقد على فترة انتقالية كافية، تكون فيها الإدارة العليا لمجلس رئاسي من قضاة وعسكريين، وأداة التنفيذ لحكومة تكنوقراط مستقلة تماما عن أي ميل سياسي.
وتبدأ بإعلان دستوري يضمن الحقوق والحريات العامة، ثم يجري إطلاق الحريات وانهاء حالة الطوارئ وضمان استقلال القضاء وإدارته التامة لكافة أنواع الانتخابات والاستفتاءات، وتكوين جمعية تأسيسية منتخبة لإقرار دستور جديد، وإجراء انتخابات برلمانية ثم انتخابات رئاسية، وتكون انتخابات البرلمان بنظام القوائم النسبية غير المشروطة، والتصويت ببطاقة الرقم القومي مع إلغاء الجداول الانتخابية سيئة السمعة، وجعل البلد كله دائرة انتخابية واحدة، وهو ما يحل المشكلات كلها بجرة قلم، ويتيح للمصريين في الخارج سهولة التصويت، وكل ما سبق عناصر للسيناريو الآمن الذي تعرفه ثورات الدنيا الديمقراطية، وليس للمجلس العسكري أن يؤلف سيناريو آخر، أو أن يتباطأ ـ في الاقتناع ـ بما يوحي بالتواطؤ .

الاثنين، 21 فبراير 2011

كنس النظام بعد قطع الرأس

عبد الحليم قنديل


قبل خمس سنوات، كان المانشيت الرئيسي لجريدة 'الكرامة' ـ وقت أن كنت رئيسا لتحر يرها ـ على النحو التالي بالنص 'سقوط مبارك في ميدان التحرير'.
وقد تحققت النبوءة بأكثر مما كنت أتوقع، كان تصوري ـ وقتها ـ أن يخرج المصريون في 'مظاهرة المئة ألف' بميدان التحرير في قلب القاهرة، وأن تكبر كرة النار إلى حافة المليون متظاهر، وفي ما جرى أخيرا، فقد بدأ المصريون فعلا بمظاهرة المئة ألف مساء 25 كانون الثاني/يناير 2011، لكنها في أيام صارت بثلاثة ملايين في ميدان التحرير وحده، وبخمسة ملايين في المدن الأخرى شمالا، وبما يقارب المليونين جنوبا، صار المليون الذي حلمت به عشرة ملايين، وفي غضب طافح يشبه براكين الطبيعة، وفي أرقى صور التظاهر والاحتشاد السلمي التي عرفها العالم، وزاد الحشد كثافة، وصعد إلى ذروته مع إجرام أمني وقع يوم 'جمعة الغضب' 28 كانون الثاني/يناير، ثم مع 'موقعة الجمل' في ميدان التحرير، التي بدا فيها نظام مبارك على أصله الجاهلي، كان الخطأ الأمني خلقيا ولا مفر منه، فأنت لا تستطيع أن تربي وحشا، ثم تمنعه من نهش الناس، وقد كان التوحش الأمني بلا مثيل في مصر، جيش أمن داخلي يقترب تعداده من المليوني فرد، وبقيادة الجنرال حبيب العادلي رجل عائلة مبارك، وانهار جيش العادلي في حربه الدموية على 'كوبري قصر النيل' المؤدي لميدان التحرير، وأثبت شباب الثورة الشعبية المصرية صلابة وبسالة مذهلة، وإلى اليوم الثامن عشر من عمر الثورة، الذي سقط مبارك في نهايته، بعد تلكؤ التراجعات المراوغة، ثم التفويض لنائبه، ثم التنحي النهائي .
انتهت ثورة مصر الشعبية العظمى إلى قطع رأس النظام، وطرده من كرسي الرئاسة بإذلال يستحقه، وبتساقط رؤوس جماعته المالية والأمنية، وانتهت إدارة البلد مؤقتا إلى الجيش، وإلى 'المجلس الأعلى للقوات المسلحة' بالتحديد، وللجيش المصري مكانة عظيمة في نفوس المصريين، فلم يدخل الجيش أبدا في صدام مع المصريين، وعلى مدى قرنين هو عمر الدولة المصرية الحديثة، وعلى خلفية الرسوخ التاريخي لدولة عمرها آلاف السنين، كان الجيش عنوانا للفخار والمجد، وكان النواة الصلبة للتكوين المصري، كان مواكبا لصبوات مصر وأحلامها، كان الجيش يشعل الثورات على طريقة أحمد عرابي وجمال عبد الناصر، أو يساند الثورات ولا يخاصمها، وقد فعلها الجيش هذه المرة أيضا، ورفض تنفيذ أوامر الرئيس المخلوع بإطلاق النار على المتظاهرين، واصل سيرته الحسنة، ولكن مع الوعي بتغيرات جرت على الجيش في ثلاثين سنة مضت على عقد ما يسمى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، فقد جرى إضعاف مكانة الجيش.
وجرت ظواهر تجريف واحتواء في أنساقه العليا بالذات، وفي مقال، من جزءين، خاطرت 'القدس العربي' بنشره لي أواخر عام 2007، ثم ظهر أواسط العام 2008، في كتابي 'الأيام الأخيرة'، وحمل عنوان 'إذا حكم الجيش مصر'، فقد توقعت السيناريو الذي يحدث فعليا الآن، وقلت انه 'إذا حكم الجيش مصر'، فلن تكون المهمة سهلة، فقد تحول الجيش إلى قوة فيزيائية بأكثر من كونه قوة سياسية، وقدرت أن مزيجا من قوة الجيش والقوى المدنية قد يتشكل، وأن نوعا ما من 'الصيغة التركية' هو الأقرب للتحقق، وفيما بدت قيادة الجيش على حالة من الارتباك والحيرة في البداية، فقد سقطت ثمرة الثورة الجديدة في حجرها، بينما لا تبدو مستعدة لأخذ الأمور إلى نهاياتها، وفضلت أن تكون المهمة مؤقتة جدا، ولمدى ستة شهور تنتهي بانتخاب رئيس وحكومة مدنية، وهو ما بدا إيجابيا بالطبع للحريصين على سرعة التحول إلى حياة مدنية ديمقراطية، بدا الجيش كوسيط مؤقت، وبدت اختياراته للجنة تعديل الدستور لافتة جدا، فقد اختار المستشار طارق البشري لقيادة المهمة العاجلة، وطارق البشري ـ كما هو معلوم ـ بتمتع بثقة هائلة في أوساط التيارين القومي والإسلامي بالذات .
وبالقطع، فقد لا يكون دور الجيش كوسيط هو الصيغة النهائية، فالأيام العواجل تبدو حبلى بالنذر، وانتخابات الأجل القصير للبرلمان والرئاسة لا تبدو ختاما للمشهد، بل ربما نكون، فقط، بصدد لحن افتتاح صاخب، فالوجع المصري مركب ومتعدد الجوانب، والتقدم إلى إجراءات ديمقراطية موثوق بها مطلوب جدا، وموضع إجماع سياسي، لكنه، باليقين، ليس الوصفة السحرية، ولا تميمة النجاة من العواصف، فالثورة الشعبية المصرية تفتتح بالكاد فصلها الديمقراطي الأول، وثمة فصول أخرى اجتماعية ووطنية قد تكون أكثر عنفا، وقد توالت النذر الاجتماعية، سرت موجات من الاحتجاج الاجتماعي في كافة الهيئات والمرافق والمصانع، وعلى اتساع الجغرافيا المصرية، وبدت قيادة الجيش ـ المكلف بإدارة البلد ـ في حيرة مضاعفة، فهي تريد انضباط السكان كما انضباط العسكر، وتريد بيئة هادئة ومستقرة، ولا تريد أن تقحم نفسها في معضلات كبرى شائكة، وهي تؤكد احترامها للاتفاقات والمعاهدات الدولية والإقليمية، وهي تعني أنها لن تمس ما يسمى معاهدة السلام، وما ترتب عليها من قيود، لكنها تغفل عن مطالب عاجلة بالخصوص، خاصة ما تعلق منها بتنفيذ أحكام قضائية نهائية باتة.
ومن نوع إعادة فتح معبر رفح الذي أعيد غلقه في أيام اشتعال الثورة، وقف تصدير الغاز لإسرائيل، وتقرير حد أدنى للأجور بقيمة 1200 جنيه مصري شهريا، وتقرير إعانة بطالة للعاطلين بقيمة نصف الأجر، وهو ما يجب أن يلتفت إليه المجلس العسكري، وقد يعني إهماله توليد أزمات كبرى، فلا يصح أن يطلب من الناس وقف الاضرابات والمظاهرات الاجتماعية، مع ترك الظلم الفادح على حاله، فالشعب لم يسقط مبارك لكونه ديكتاتورا مستبدا فقط، بل لأنه عنوان انحطاط وظلم وفساد شامل، وإعادة تدوير عجلة الانتاج ـ كما يطلب المجلس العسكري ـ مطلوب جدا، لكن مع وقف عجلة الفساد، وإقرار الحد الأدنى من مبادئ العدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية، خاصة أن سؤال نقص الموارد مردود عليه، وإصلاح الخلل الجنوني في نظام الأجور يكفي لتنفيذ الحكم القضائي فورا، ودستور الأجور مهم تماما كدستور الحريات، ثم ان إجراءات تصفية وكنس نظام مبارك الفاسد تبدو متباطئة جدا، وتأجيل المهمة لحين إجراء انتخابات الرئاسة قد يضيع الفرصة، وما جرى من تنحية مبارك وقطع رأس النظام سياسيا لا يكفي، والسؤال الأهم عن مصير ثروة عائلة مبارك، التي ذهبت التقديرات بصددها إلى ما يقارب السبعين مليار دولار، والمعلومات بصدد تهريبها متاحة، ودور المجلس العسكري الحاكم هو استرداد هذه الأموال فورا، وكلها مسروقة من موارد وثروة الشعب المصري، أضف، إلى سرقات العائلة، تريليونات الدولارات التي ذهبت لمليارديرات البيزنس الحرام، فلا تكــفي أوامر المنـــع من السفر، بل لابد من عقد محاكمات عاجلة حتى لو كانت عسكرية، خاصة في استرداد الأراضي الممنـــوحة بالمجان تقريبا لمليارديرات وأصدقاء الرئيس المخلوع وعائلته، واسترداد المصانع المباعة برخص التراب، والموقوفة عن العمل بأوامر زبائن الخصخصة، فالديمقراطية المطلوبة ليست مواعيد وتعـــــديلات وإجراءات، إنها ـ في الأصل ـ حكم القانون لا حكم الغابة الموروث عن عهد الرئيس المخلوع، إنها، في الأصل، حكم الشعب لنفسه وبنفسه، واستعادة سيطرته على موارده ومقدراته المنهوبة، وقد نهبت مصر، في ظل حكم الرئيس المطرود، كما لم تنهب في تاريخها الألفي .
وحتى في إجراءات الانتقال لحكم ديمقراطي، لا يبدو تعديل الدستور وتحديد مواعيد الانتخابات كافيا، فمصر تحتاج إلى دستور شعبي ديمقراطي جديد، ونقطة البدء ـ المعلقة إلى الآن ـ هي إطلاق الحريات العامة، أي إنهاء حالة الطوارئ المتصلة لثلاثين سنة، والإفراج التام عن المعتقلين السياسيين، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات، والاقرار القانوني بحريات التظاهر والاعتصام والإضراب السلمي، وتنظيم إجراءاتها، وهذه مهمة أولى ولا تحتمل التأجيل، ولا تتطلب غير قرارات تصدر بجرة قلم، خاصة أن 'المجلس العسكري' أعطى لنفسه حق إصدار مراسيم لها قوة القانون، ويستطيع أن يفعلها الآن، وبغير احتياج إلى موارد مال .فالمطلوب الآن ـ وبغير تأجيل ـ كنس النظام الذي قطعت الثورة رأسه.

كاتب مصري محترم جدا يكرة مبارك جدا

الأحد، 20 فبراير 2011

إبراهيم عيسى/////////////////// من أول السطر :::: لاتصنعوا أشباحا ثم تحاولوا أن تطاردوها،

إبراهيم عيسى
إبراهيم عيسى
 
الرئيس مبارك انتهي ، ما هو موجود الآن رئيس مخلوع وشخص هرم يشعر بالإحباط والألم والغضب والفراغ فيبذل جهدا في اتصالات عبثية عصبية مع رجال يتحملونه بضيق صدر أو يرسل طلبات مستحيلة لوزراء يعلقون بمنتهي النفور والتهكم علي صاحبها فور وضع سماعة التليفون ،

الرئيس المخلوع يمر بمرحلة يمر بها أي مريض تعرض لعملية بتر لعضو من أعضائه وهي التي يتعامل فيها كأنه لم يفقد جزءا من جسده إنكارا للحقيقة أو هروبا من الواقع أو اعتيادا علي ماض.

الآن تنتشر تحليلات بعضها من عقلاء تحذر مما يتآمر به مبارك علي الثورة والرجل رئيس مخلوع ومريض مكتئب وكأن المطلوب أن نتصور أنه سيعود للحكم أو يجلس علي مقعد الرئاسة من جديد وهذا عبث ممن يروجه أكثر مما يكون عبثا ممن يفكر فيه هذا لو كان يفكر فيه او يفكر أصلا.

هل خلق هذا الشبح مقصود منه إعادة شحن وتعبئة لرجال ونظام مبارك البائد مثلا؟
هل المطلوب أن ينتهي إلي تردد أو ارتباك في هذه الصلابة الثورية الشعبية التي أزاحت الديكتاتور؟

أخشي أن التهديد بأن مبارك موجود خلف الحائط إنما يخدش هذا النصر الحاسم والنهائي الذي حققه الشعب برحيل الديكتاتور ثم أنه يعطلنا عن اسقاط الديكتاتورية فحتي الآن نجح المصريون في التخلص من الديكتاتور ولم يعد لهم من مهمة إلا استكمال اسقاط الديكتاتورية كنظام حكم لاتزال أدواته ووسائله كما هي وإن تلونت وإن تمسكنت.

المؤكد أن مبارك ونجله الموهوم جمال مبارك وزوجته الرئيسة التنفيذية السابقة قد انتهوا تماما وكأي أسرة حاكمة سابقة فهي لن تتوقف عن أحلام كالأوهام تدفع بها كوابيس واقعها وتدافع بها عن اكتئابها ولعلي لا أسابق الزمن حين أقول أن صحة البعض منهم البدنية والنفسية لن تتحمل أسابيع أو شهورا قادمة.

الشعب أسقط الرئيس حتي لو ظل ظله في شرم الشيخ يبكي أطلال استبداده ومهمتنا الأهم الآن هي إحياء الهدف السادس للثورة القديمة (لعلكم تتذكرونها؟) إقامة حياة ديمقراطية سليمة

وهي طبعا لن تقوم بمن يصنع الأشباح ليخاف منها أو يخوف بها ،ليطردها أو يطاردها.

أما شبح الاخوان المسلمين الذي يراه البعض محلقا محدقا بالثورة فهو إعادة سقيمة بليدة لفيلم الفزاعة الشهير الذي كان يروجه مبارك والمدهش أن الاستناد علي صورة الشيخ يوسف القرضاوي في الميدان يتجاهل اغفالا او استغفالا أننا كنا في صلاة جمعة وهذا شيخ كبير وشهير يقف كخطيب صلاة وليس كزعيم مظاهرة ثم أن ثورة يناير حطمت أسطورة أن للاخوان تلك الشعبية الكاسحة في الشارع وبات واضحا إلا للذي في قلبه عمي أن الاخوان فصيل سياسي مهم ومنظم ولكنه لا هو الأكبر ولا الأهم ولا الأنجح إطلاقا

شبح ان الثورة ستسقط في يد الاخوان يتم ترويجه لإجهاض الثورة  أولتفضيل الاستمرار تحت كنف الكنيف السياسي الذي كان ولعله لايزال يحكم  لا أن نسعي لتدمير هذا البناء الخرب الذي يجثم علي وطننا منذ ثلاثين عاما

طبعا الاخوان يحاولون توسيع رقعة تواجدهم وتعظيم مكاسبهم بل والانتقام من أيام السجن والذل والمدهش أن هذا حقهم تماما في ظل ديمقراطية لا تقوم علي الإزاحة أو الاستبعاد لكنهم لن يصلوا إلي الحكم لأن الثابت بثورة يناير أن الشعب لايريدهم ولا يفضلهم ولا يسير وراءهم والمطلوب التوقف عن استنزافنا بالجري وراء شبح سيطرة الاخوان علي الثورة والبدء الفوري في منافستهم والهجوم علي مشروعهم السياسي والصراع علي الأرض من دائرة إلي أخري ومن صندوق إلي صندوق وليس هذا الاعتراف الهرائي بأنهم سيكسبون ويسيطرون ، التخوف من نفوذ الاخوان مشروع لكن الذعر والجنان والتوهم بأنهم قادمون حتما وراكبون فعلا فهذا هزل من البعض وهزال من البعض الآخر ،

العجيب أن الذي يخلق شبح الاخوان هو نفسه الذي يحارب حقيقة أن الشعب يخلق قيادته.

الجمعة، 11 فبراير 2011

الثورة هي الثورة =عبد الحليم قنديل



أهم انتصار لثورة الشعب المصري ـ حتى كتابة السطور ـ أنها لا تزال مستمرة بعنفوان هائل، وأنها تتدفق كموج البحر، وفي ما يشبه الإعصار الكاسح، وفي غضب جماهيري أقرب لغضبات الطبيعة وزلازلها وبراكينها .
ولا نريد لأحد أن يخطئ النظر أو القراءة، فهذه ثورة الشعب المصري، وليست مجرد حركة شبابية، فقد لعب شباب 'الفيس بوك' دورا حاسما في الدعوة للثورة، وفي تنظيم شبكي مرن جمع أطرافا من كل ألوان الطيف، وفي ضمان قوة دفع ابتدائية مناسبة، لكن الثورة صارت بسرعة ثورة شعب بكامله، وبكل أجياله وطبقاته وفئاته، وعلى اتساع الجغرافيا المصرية، وانضمت إليها كافة حركات التغيير والقوى الاجتماعية والسياسية الحية، كانت مبادرة الشباب أشبه بكشف غطاء عن آبار غضب جوفي طافح، وبدت موجات الثورة المتدافعة المتدفقة بالملايين في مشاهد أسطورية، وكأنها تنزح من آبار بلا قرار .
ويخطئ من يتصور أن أحدا بعينه ـ شبابا أو غير شباب ـ قادر على ايقاف الثورة، أو إصدار الأمر بفض اعتصام ميدان التحرير، فنحن بصدد ثورة كاملة الأوصاف، ثورة مصممة على تحقيق أهدافها، وبقوة النزح التلقائي من آبار الغضب، وباندفاع طبقات اجتماعية من العمال والمهنيين للالتحاق بالثورة، ففي مصر مخزون غضب يكفي لإشعال ألف ثورة، وما جرى إلى الآن ـ على أسطوريته وعبقريته ـ هو مجرد الفصل الأول من الثورة الشعبية المصرية، وبهدف خلع مبارك ونظامه، وهو تغيير عاجل أشبه بفك 'اللعنة'، تغيير عاجل يؤسس لصحوة شعبية جديدة، قادرة بوعي أصلب على أن تواصل الشوط الثوري لمنتهاه، فمصر تحتاج إلى تغيير لا يبقي ولا يذر شيئا من أدرانها وأوساخها، مصر تحتاج إلى إعادة خلق، وإلى استعادة النجوم لمداراتها، وإلى الخروج من النفق المظلم، وإلى براح استعادة الدور والمكانة والمعنى، وإلى تجاوز الانحطاط التاريخي، وإلى اكتساب استقلالها الوطني، وتحريرها من أغلال التبعية المزمنة للأمريكيين والإسرائيليين، وإلى تفجير طاقاتها الكامنة في التنمية والتصنيع والتسليح والاختراق التكنولوجي، وإلى الدخول في سباق العصر، وإلى كسب معارك الحرية والعدالة والكرامة .
الهدف العاجل للثورة الشعبية المصرية الآن هو كسب الديمقراطية الوطنية، واستعادة الشعب للميدان بعد غربة طويلة، والثورة ـ أي ثورة ـ تعني التغيير لا أقل، الثورة تفرض شرعيتها، وتكنس تسلط الآخرين، الثورة تعني إنهاء نظام وخلق نظام جديد، وهو ما يفسر استمساك المتظاهرين تلقائيا بهدف تنحية مبارك وعائلته، ووضع دستور نظامه في أقرب مقلب زبالة، والتقدم إلى مرحلة انتقالية برئيس مؤقت وحكومة ائتلاف وطني، وبمهام وطنية وديمقراطية واجتماعية عاجلة، تنتهي بصياغة دستور جديد يجري إقراره عبر جمعية تأسيسية منتخبة، فالثورة تعني الثورة، وليس التورط في متاهات وتفاسير لمواد في دستور متآكل وباطل بالجملة، أو تكرار الترقيع في دستور صار مزقا من ورق، وسقطت شرعيته مع تداعي نظامه، فلا تفاوض ولا حوار إلا بعد الجلاء، نقصد جلاء مبارك عن منصبه، وهذا هو الحد الأدنى المطلوب بشروط الوفاء للثورة، وليس التحايل على الثورة، وبقصد إجهاض حركة الشعب، وبدعاوى الحوار والتفاوض على تغييرات أو تعديلات جزئية، وهي حوارات سيئة السمعة، تتورط فيها أحزاب معارضة 'رسمية '، تفزع من الثورة، وإن تظاهرت بالتعاطف معها، وتدرك أنها مرشحة للكنس مع النظام الذي أنشأها، واستخدمها كديكور بائس، وسمح لها بدور 'أكشاك السجائر' على رصيف السياسة والتاريخ، ولا تزال كما كانت، مجرد نباتات طفيلية شيطانية متسلقة على جدران حديقة مصر، يستدعونها في الأزمات بديلا عن أصوات الشعب الحقيقية، ويتحاورون معها على طريقة النظام الذي يحاور نفسه، أضف ـ إلى هؤلاء ـ مددا من شخصيات باهتة، لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، لم تتخذ يوما موقفا يليق، ولا دفعت ثمنا، وتتطفل الآن على ثورة الشعب المصري، وتتكاثر على سطح الحوادث كالفطر، وتنشئ ما تسميه 'لجان الحكماء' أو لجان الأدعياء، وتلبس مسوح الوعاظ، وتتورط ـ كأحزاب الأنابيب ـ في حوار مع ما تبقى من سلطة نظام مبارك المتداعي، وتقدم خدماتها على طريقة 'عبده مشتاق'، الذي يقضي عمره بالقرب من باب السلطان، يتسول منصبا أو وظيفة أو دورا يثير الريب .
هؤلاء وغيرهم مجرد جمل اعتراضية لا محل لها في سياق النص الثوري، هؤلاء وغيرهم يخونون الدم الشهيد، يخونون دم مئات الشهداء وأنات آلاف الجرحى، وبسالة مئات الآلاف الذين اجترحوا المعجزة، وزلزلوا نظام الترويع الأمني، وحطموا واحدا من أكبر أجهزة الأمن في الدنيا كلها، ودفعوا عشرة ملايين مصري إلى عبور حواجز خوف متقادم موروث، والخروج إلى ميادين التظاهر في القاهرة والمدن الكبرى، ولم يعد يخيفهم شيء، ولا يرضيهم شيء سوى أن يزول الظلم كله، وأن يستعيد الشعب ثروته وسلطته المغتصبة، ليس بترقيعات أو تعديلات في مواد الدستور، ولا حتى بالإلغاء الفوري لقانون الطوارئ، ولا حتى بحل المجالس المزورة كلها، بل لا بد من حل النظام المزور كله، وبتغيير شامل يعيد السيادة للشعب، ويقيم محاكمات عاجلة للمزورين والفاسدين، ويحل الحزب الحاكم، ويحل جهاز مباحث أمن الدولة، ويطلق حريات التظاهر والاعتصام والاضراب السلمي، وحريات تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات وإصدار الصحف، وإنشاء قنوات التلفزيون، وقبل ذلك كله تنحية مبارك، ومحاكمته مع عائلته، واسترداد ثروة الشعب المصري التي شفطها مع عائلته، والتي قدرتها صحيفة 'الغارديان' البريطانية بما قد يصل إلى 70 مليار دولار، وقد نشر تقرير 'الغارديان' في 4 شباط/فبراير 2011، وفي 9 شباط/فبراير تقدمت حركة كفاية ـ مع مئة شخصية عامة ـ ببلاغ للنائب العام، وطلبت التحقيق مع مبارك وابنيه جمال وعلاء وزوجته السيدة سوزان منير ثابت، وطالب البلاغ النائب العام بسرعة اتخاذ إجراء احتياطي بمنعهم من السفر وتجميد أرصدتهم، وإحالة الابنين والزوجة إلى محاكمة عاجلة، وهم لا يتمتعون بأي حصانة دستورية، وعدم الاعتداد بحصانة رئاسية مفترضة لمبارك الأب، فقد سقطت عنه الحصانة بثورة مصر الشعبية، وزالت عنه حصانة المادة 85 من الدستور، التي تشترط موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشعب للبدء في إجراءات محاكمة الرئيس .
وحتى وقت كتابة السطور، فليس في مصر غير قوتين لا ثالث لهما، قوة الشعب المصري بملايينه الثائرة المتظاهرة في الشوارع، وقوة الجيش الذي يحظى باحترام عميق في نفوس المصريين، فقد اكتسحت ثورة الشعب المصري أجنحة إدارة مبارك، اكتسحت البيروقراطية السياسية فيما كان يسمى بالحزب الوطني الحاكم، واكتسحت النفوذ السياسي لجماعة البيزنس، واكتسحت جنرالات الأمن الداخلي، واكتسحت جماعات البلطجة التابعة لمبارك في 'موقعة الجمل' بميدان التحرير، في ما بدت العلاقة مع الجيش ودية بصفة عامة، فقد نزل الجيش إلى الشوارع، ورغم قرار فرض حظر التجوال، جرى التسامح مع المواطنين والمتظاهرين، وباستثناءات قليلة لاعتقالات ـ انفكت في ما بعد ـ شملت عددا من قادة حركة كفاية، فقد حافظ الجيش على نوع من الحياد السلبي، والإيجابي أحيانا، وإن لم تصل إيجابيته إلى الحد المطلوب بالضبط حتى كتابة السطور، فلم يقم الجيش بدوره في تنحية مبارك، وبدعوى أن مبارك كان واحدا من قادة القوات المسلحة، ومن قادة حرب 1973، وأنه ـ أي الجيش ـ لا يريد إخراجه من منصبه بطريقه مهينة، وهذه دعوى لا محل لها في موازين العدالة والحقيقة، وتسيء إلى سمعة الجيش، وتصادر إرادة الشعب، الذي لا يصح أن تعلو كلمة على كلمته، وأن تفتعل 'عصبية عسكرية' تستعلي بامتيازات لا سند لها، فالأصل أن المواطنين سواء، والأصل أن الجيش هو جيش الشعب المصري، الأصل أن الجيش مكلف بحماية الشعب المصري، الأصل أن الجيش مكلف بصيانة الشرعية التي يريدها الشعب، وليس تلك 'الشرعية' التي أسقطتها ثورته، وتلكؤ الجيش في تنحية مبارك يسيء إلى سمعته الوطنية، ويضعه في خصام مع المصالح العليا للوطنية المصرية، فإسرائيل وحدها هي التي تسعى لبقاء مبارك، وهو ما يضع الجيش وقادته في حرج مضاعف، فعقيدة الجيش المصري القتالية ضد إسرائيل، والمطلوب أن يتوافق سلوكه السياسي مع عقيدته القتالية، وأن يسرع بتنحية مبارك، وفي إجراء انقلاب لصالح الشعب لا لصالح العسكر.

الاثنين، 24 يناير 2011

العين على مصر :: عبد الحليم قنديل

 
الحكام العرب سابت مفاصلهم بعد انتصار الثورة الشعبية التونسية، والهروب الذليل للديكتاتور زين العابدين بن علي، وزوجته الامبراطورة ليلى الطرابلسية، التي ابتلعت مع أسرتها وأسرة زوجها جانبا كبيرا من مقدرات تونس ومواردها، أكلوا لحم البلد الحي، واعتبروا ازدهار أحوالهم علامة على ازدهار تونس.
جرى ما جرى في تونس، وانتصرت الانتفاضة التونسية، ولاتزال تواصل معاركها في الشارع ضد ما تبقى من النظام الديكتاتوري المملوكي الناهب، حدث الزلزال في تونس، والعين على مصر، ربما لأن النظام التونسي البائد كان صورة طبق الأصل من النظام المصري، ديكتاتورية عائلية معلقة في القصر الرئاسي المترف، ومن حولها 'جماعة بيزنس' تضخمت ثرواتها الحرام لأرقام فلكية، ومن تحتها خازوق أمني متضخم ومتورم.
سياسة للنهب العام تستند الى عصا الكبت العام، واقتصاد ريعى هش تتأتى موارده من معدلات السياحة المرتفعة في تونس، ومن عوائد عمل التونسيين في الخارج، وهي مثل موارد الخزانة العامة في مصر، يضاف إليها عوائد ورسوم الملاحة في قناة السويس، وبعض عوائد بيع البترول والغاز، وفي الحالتين ـ تونس ومصر ـ جرى تحطيم وتجريف القواعد الانتاجية الكبرى، وفي المحصلة بدا دور النظام التونسي نسخة طبق الأصل من دور النظام المصري، في الحالتين بدا الولاء لأمريكا والاستعداد لخدمة إسرائيل فرضا لا سنة، وفي بنية النظام السياسي، بدا التماهي ظاهرا إلى حد التطابق، مع فارق لمبارك مصر الذي ظل في الحكم ثلاثين سنة إلى الآن، بينما انتهت سيرة بن على عند حاجز الثلاثة والعشرين خريفا، واستنادا إلى حزب إداري ينتهي اسمه، في الحالين، بلفظة 'الديمقراطي' على سبيل النكاية، واصطناع أحزاب معارضة صورية بديلا عن المعارضات الحقيقية، والاحتفاظ بها كديكور يتآكل خداعه مع تقادم الزمن، وافتعال 'كوتة للمرأة' سبق إليها النظام المصري قبل تولي زين العابدين بن علي في تونس، ثم عدل عنها النظام المصري، فلجأ إليها النظام التونسي، ثم أعاد النظام المصري الكرة تقليدا لنظام تونس المخلوع هذه المرة، وبانتخابات تخلو بالمرة من أبسط معاني الانتخابات، وتمتاز بالتزوير الشامل الكامل لصالح رجال ونساء مختارين بعناية العائلة وحراسة الأمن، وبتحصين كرسي الرئاسة من التبديل والتغيير، بوضع شروط مانعة جامعة قابضة للروح، واشتراط الإتيان بلبن العصفور لمن يرغب في الترشح الجاد، ففي تونس الأصغر كان الشرط هو الحصول على تواقيع ثلاثين نائبا وثلاثين والي مدينة، مع العلم أن هؤلاء جميعا من حزب الرئيس، من حزب التجمع الدستوري 'الديمقراطي' الحاكم، وفي مصر الأكبر بدا الشرط أكثر غلظة وأكثر استحالة، وهو الحصول على تواقيع 65 عضوا من مجلس الشعب و45 عضوا من مجلس الشورى، و140 عضوا من مجالس المحليات في عشر محافظات، مع العلم أن كل هؤلاء من الحزب الوطني 'الديمقراطي' الحاكم، إنه التطابق المثير للدهشة، حتى في أدوار الرئيس وزوجته، ربما مع فارق أن النجل جمال مبارك في قلب الصورة المصرية، بينما أبناء زين العابدين الذكور لا يزالون صغارا، فتمدد دور الزوجة ليلى، وكان مزاد التوريث محجوزا للسيدة الفاتنة، التي بدأت حياتها 'كوافيرة'، وانتهت مليارديرة هاربة.
هذا التطابق بين النظام التونسي، الذي تنخلع قوائمه الآن بعد أن طار رأسه، وبين النظام المصري الذي يقيم رئيسه غالبا في شرم الشيخ، بعيدا عن قلق ومواجع الكتلة السكانية الغالبة في وادي النيل، يثير سؤالا ملحا عن تطابق مقابل، عن احتمال تطابق ثورة متوقعة في مصر مع الثورة التونسية، والسؤال في محله تماما، رغم تفاوت في التفاصيل على جبهة المعارضة وأشواق التغيير بالذات، فالمعارضة التونسية الجدية بدت مهاجرة في غالبها ولاجئة للخارج، بينما المعارضة المصرية الجدية تقيم غالبا في الداخل، وباستثناء ظاهرة محمد البرادعي المقيم غالبا في طائرة، أو في قصره الأنيق على طريق القاهرة ـ الإسكندرية الصحراوي، ورغم تطابق بنية القمع، وزيادة معدلات الاعتقال والاختفاء القسرى والتعذيب حتى الموت فى مصر، فقد تولد هامش من حريات التعبير والتنظيم والحركة خلافا لأوضاع تونس زين العابدين، وهو فارق يبدو لصالح المعارضة المصرية في القراءة الظاهرة، لكن المحصلة لم تكن كذلك، فقد أدى الهامش الرجراج إلى قدر من 'رخاوة عضلات المعارضة' إن صح التعبير، ثم أن الهامش تقلص باطراد في العشرين شهرا الأخيرة بالذات، اضافة الى أن الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية في مصر أكثر سوءا بما لا يقاس مع أوضاع تونس بن علي، فمعدلات الفقر والعنوسة أكبر في مصر، ومعدلات المرض صاروخية الطابع، فمصر رقم (1) في معدل الاصابة بالفشل الكلوي، ومصر رقم (1) في التهاب الكبد الوبائي السرطاني على صعيد الدنيا كلها، ومصر رقم (1) في نزيف الأسفلت والموت بحوادث الطرق، وفي مصر أغنى طبقة في المنطقة العربية، وأفقر شعب على الإطلاق، وربما لذلك بدت ظواهر التقليد المصري لتكتيك الثورة التونسية، خافتة إلى الآن في السياسة، وظاهرة جدا على الصعيد الاجتماعي، فقد بدت مشاهد الانتحار بإشعال النار علنا في شارع عام أكثر تواترا في مصر، وعلى طريقة محمد البوعزيزي ـ شهيد سيدي بو زيد ـ الذي افتتح باسمه الجليل واحدة من أعظم انتفاضات التاريخ .
ماذا يعني ذلك؟ ربما يعني أن انتفاضة محتملة في مصر قد تماثل انتفاضة تونس في المعنى العام، ولكن مع اختلاف في التفاصيل، فقد بدت الثورة التونسية طاغية التأثير على مزاج الجمهور المصري، وتدافعت موجات هائلة من النكات المتداولة على طريقة المصريين، كلها تسخر مما تسميه عجز المصريين مقابل شجاعة التونسيين، وفي صورة نقد ذاتي جماعي تلقائي سوف يكون لها أثرها، خاصة أن الثورات في هذا العصر ـ تماما كالحروب ـ يجري نقلها بالصورة النافذة للعين والقلب والعقل والضمير والوجدان، بينما في دروس السياسة تبدو عظات الثورة التونسية بليغة ناطقة، ولعل أهمها درسان، الدرس الأول في تلاحقات ما جرى تونسيا، فقد تحول الغضب الاجتماعي المفرق بسرعة إلى غضب سياسي شامل، وهو درس بالغ الأهمية لطلائع المصريين، فقد دعونا، قبل 'انتفاضة المحلة' في 6 نيسان/أبريل 2008، إلى مزج الغضب الاجتماعي بالغضب السياسي، وظواهر الغضب الاجتماعي هائلة جدا في مصر، فخلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط، تدافع إلى المشهد المصري ما يزيد عن خمسة آلاف مظاهرة واعتصام وإضراب اجتماعي، شارك فيها مئات الآلاف من المصريين، ولكن بدون ربط وثيق بأولوية التغيير السياسي، فيما بدت معه الصورة مبتسرة، مبشرة ومحبطة معا، قلقة وموزعة الألوان ومشوشة البريق، وبدون رسم لوحة متكاملة لثورة شعبية حقيقية، غضب يطفو ويخبو، ولا يقلع بالجملة من محطات اليأس المقيم، فقد زادت رقعة الأمل، وزادت رقعة اليأس الانتحاري أيضا، وبدت مصر كأنها في جحيم اجتماعي صامت إلى جوار الغضب الاجتماعي الناطق، ويكفي أن نعلم ما جرى في عام واحد طبقا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد أقدم 180 ألف شاب مصري على محاولة الانتحار في عام واحد (2009)، وانتهت المحاولات إلى مفارقة الحياة في خمسة آلاف حالة، بينما جرى إنقاذ الباقين في آخر لحظة، الدرس الثاني للثورة التونسية يبدو ملهما أكثر، فقد تحررت تونس بتحرك العشرات والمئات فالآلاف، ثم إلى ما لا يزيد عن عشرين ألفا في مظاهرة التتويج أمام مبنى وزارة الداخلية في العاصمة تونس، وهو ما يعني أن تغيير النظم الديكتاتورية المملوكية لا يحتاج لحركة الملايين، وعلى نحو ما تروج له 'فرق المرجئة' السياسية، فقط يحتاج التغيير إلى حركة الآلاف الجسورة المصممة على اجتياح حواجز الخوف، ولسبب جوهري، فالنظم الديكتاتورية المملوكية تبدو معلقة، وبلا قواعد ارتكاز اجتماعية ولا سياسية، وتلك ثغرة الضعف الكبرى في بنية هذه النظم، وهو ما يعني بالقياس إلى تفاوت الحجم السكاني بين مصر وتونس، أن تحريك مئتي ألف أو حتى مئة ألف مصري كاف جدا لإطاحة نظام مبارك، وقد كنا في حركة كفاية أول من دعا ـ قبل سنوات ـ إلى تحرك شعبي ينتهي بمظاهرة المئة ألف، وبعصيان مدني يمزج الغضب الاجتماعي بالغضب السياسي، ثم أضفنا تصورا مفصلا لمرحلة انتقالية تلي نهاية حكم العائلة، وهو التصور الذي تتوافر ممكناته في مصر أكثر من حالة تونس، ويعصم البلد من مخاطر الفراغ والفوضى .
وبالجملة، بدت ثورة تونس العبقرية تلقائية جدا، وبجمهور بلا قادة، بينما المشهد المصري مزدحم بالقادة، وبمقدرة غير كافية لاستدعاء الجمهور لانتفاضة شارع، وربما تحتاج مصر، الآن، إلى مخاطرة محمد البوعزيزي لا إلى تردد محمد البرادعي
.

 


الاثنين، 17 يناير 2011

الغضب الساطع آت -عبد الحليم قنديل


هل هي حالة تونسية خاصة؟ هل هي الثورة التي تراخت مواعيدها ضد حكم الجنرال زين العابدين بن علي؟ أم أنها آيات الغضب الساطع الآتي عربيا، ومن تونس هذه المرة، وببركة دم الشهداء الذين سقطوا بالرصاص الحي في مدن القصرين والرقاب وتالة، وبمخاطرة الشهيد الشاب محمد البوعزيزي، الذي أحرق نفسه في ولاية سيدي بوزيد احتجاجا على البطالة والقمع والظلم، وافتتح باسمه الجليل واحدة من أعظم انتفاضات التاريخ .
بالطبع، لا تبدو تونس حالة خاصة، بل هي النمط المعمم عربيا، وإن لم يبدأ في تونس، بل بدأ في مصر، ثم سرى بالتأثير السلبي الصادم في مشارق ومغارب المعمورة العربية، ففي البدء، وحتى أواسط السبعينيات من القرن العشرين، كانت نظم الحكم العائلي محصورة في بلدان الخليج، حيث يقل عدد السكان، وتتزايد عوائد البترول بما يطمس التناقضات، بينما كانت نظم الحكم العائلي في القلب العربي المزدحم على حافة الخطر، وكان ملك الحسين في الأردن والحسن في المغرب على كف عفريت، وكانت نظم الحكم العائلي تعيش على دعم واشنطن، وقبلها دعم لندن وباريس، كان ذلك زمن النهوض الـــــقومي العربـــي بدفع من ثورة عبد الناصر، ومع الانقلاب على خط عبد الناصر بعد حرب 1973، تداعى حكم النخب العقائدية والعسكرية التي امتازت بالعداء الحازم للاستعمار والصهيونية، وبتجارب تنمية وتصنيع مؤثرة وبحراك اجتماعي واسع الخطى، وبنظم لعدالة التوزيع والضمانات الاجتماعية، وإن كان ينقصها بالطبع العسكري، ضمان ديمقراطي يكفل الحريات العامة، وتجور على إنجازاتها ممارسات أمنية خشنة، وانتهاكات مفزعة لحقوق الانسان، بدت من طبع الثورات، التي تحول بعضها إلى ديكتاتوريات دم مسفوح خاصة في المشرق .
وفي لحظة فوات وضياع مذهل، بعد حرب أكتوبر 1973 بالذات، كان بندول تاريخنا يهوى بتدرج إلى خط الصفر، ثم إلى ما تحت الصفر، فقد خذلت السياسة حد السلاح المنتصر بنتائج حرب 1973، وتحول النصر العسكري ـ بانقلابات السياسة ـ إلى هزيمة تاريخية شاملة، وبدت ريح البترول الأسود كأنها تغمر رؤوسنا ونفوسنا بالقار والعار، وتمد نفوذ واشنطن إلى قصور الحكم في عواصمنا جميعا، وتخرجنا من حركة التاريخ الفوارة في الثلاثين سنة الأخيرة، التي خلقت عالما جديدا متسعا لنهوض عارم في أمريكا اللاتينية وفي آسيا العظمى، وعند جوارنا الأقرب في تركيا وإيران، فيما سقطنا نحن في ثقب الركود الأسود، وخرجنا بالجملة من سباق النهضة، فقد كانت مصر مثلا، حتى حرب 1973، رأسا برأس مع كوريا الجنوبية في معدلات التصنيع والاختراق التكنولوجي والتنمية والتقدم، وصارت مصر الآن، ذيلا بذيل مع بوركينا فاسو على مؤشر الفساد الدولي، وقس ما جرى في مصر على تجارب عربية كانت أقل نهوضا، ولم يكن فيها الأثر الدراماتيكي لزعامة بحجم جمال عبد الناصر، فقد تغير تكوين النخب الحاكمة، وصارت مزيجا من فوائض البترو- دولار ورجال المخابرات الدولية وجماعات النهب العام، وسرت نغمة التكفير بالعروبة والوحدة والتقدم، والإيمان الرسمي بالاستسلام الكامل لإسرائيل، ومغادرة مقاعد التصنيع والانتاج، وتفضيل اقتصاد الخدمات والريع على الطريقة الخليجية، وكان لا بد أن تزحف معها نظم الحكم العائلي من وراء القناع الجمهوري .
هكذا تكونت الصورة الجديدة، وعلى مراحل انهيار متلاحقة، فلم تعد من نزعات تقدمية مقابل الركود الرجعي، بل صار الكل رجعيين وبامتياز، موالين لواشنطن ومحبين لإسرائيل، وعائليين احتكاريين، حتى إن لبسوا البذلات الحديثة بديلا عن الدشداشة الخليجية التقليدية، وحتى إن تظاهروا بقبول تعددية سياسية من نوع خاص جدا لا تنطوي، لا في الحال ولا في الاستقبال، على إمكانية تداول السلطة، تعددية مصنوعة بالأمر الإداري، ومحكومة تماما بالنطاق الأمني، ومنزوعة السياسة بالجملة، أو تبدو، في أحسن الأحوال، كأكشاك سجائر على رصيف السياسة، فقد جرى حظر السياسة وكتم أنفاس المجتمع، وتحطيم النقابات المهنية والعمالية والفلاحية، وإلحاقها بجهاز الأمن الداخلي الذي تضخمت قوته وتضاعف عدده، وأخذ من رصيد الجيوش التي هزلت، ووضع تسليحها تحت الرقابة الأمريكية المباشرة، بما لا يجعلها قادرة على صراع ولا سباق سلاح مع العدو، بل يجعلها مجرد رصيد إضافي لقوات الأمن الداخلي، ففي مصر مثلا، دفع المصريون من قوتهم وأعصابهم لبناء جيش المليون جندي على جبهة الحرب مع إسرائيل في 1973، ومع انقلابات التاريخ الساخر، صار لدى النظام المصري الآن قوة أمن داخلي قوامها مليون و700 ألف شخص، أي ثلاثة أمثال حجم الجيش، تخوض حروب التخويف والإرهاب على جبهة الصدام مع الشعب المصري، ومثل ذلك جرى في جمهوريات الثورات التي صارت ملكيات، وعملت كلها بالتقليد المصري في إطلاق التمديد الرئاسي إلى أبد عزرائيل، وبالتزوير الشامل للانتخابات العامة، وتحويلها إلى 'انتخابات مشفرة'، وتعيينات ومواسم بيزنس وأفلام كارتون، وتحويل البرلمانات إلى 'زوائد دودية' لسلطات التنفيذ الأمني، بحيث صارت نظما بغير مجمع انتخابي داخلي، وبمجمع انتخابي افتراضي تمثله الرعاية الأمريكية والإسرائيلية، والفرنسية أحيانا، وبإحلال الحكم العائلي المحض، وبحيث صار لكل رئيس (ملك) وريثه العائلي، الذي يشرف غالبا على توزيع فوائض النهب العام، وتعيين الاتاوات والعمولات، ويستعد لخلافة أبيه، ويتكفل بدورة تجديد مماليك البيزنس والسياسة والإعلام من حول بيت السلطان.
والمحصلة، صورة حكم طبق الأصل المصري، ومع تفاوت في التفاصيل، وتطابق في التكوين العام، ففي بغداد قبل نهاية حكم صدام كانت ظاهرة ابنيه قصي وعدي، وفي دمشق خلف الرئيس بشار أبيه حافظ الأسد، وفي القاهرة صعدت ظاهرة جمال مبارك، وفي ليبيا تضخمت ظاهرة سيف الإسلام القذافي، وفي صنعاء ظاهرة أحمد ابن الرئيس علي عبد الله صالح، وفي العواصم التي تعذر فيها استنساخ الأبناء بأقدار القسمة والنصيب، كان الشقيق حاضرا على طريقة سعيد بوتفليقة في الجزائر، وفي تونس كان الدور محجوزا للسيدة ليلى زين العابدين، وفي الحالات كلها يكون الخلفاء الموعودون شركاء للآباء الحاضرين، وفي صورة رئاسة مزدوجة للأب والابن، وفي حالة مصر بدت الرئاسة تثليثا، وشراكة، بغير التساوي، للأب والابن والأم، وانتهت الأوضاع كلها إلى الصورة التالية للحكم، رأس عائلي معلق، ومن حوله بطانة من مماليك البيزنس وجنرالات الأمن، وبلا قواعد اجتماعية ولا سياسية، وبايديولوجيا الشفط والنهب العام، واستنادا لعصا الكبت الأمني العام، فيما بدت الشعوب غائبة كليا عن الصورة، وأقرب لغبار بشري يطحنه الغلاء والفقر والبطالة، تعيش محن الاقتصاد المنهوب الريعى الهش، وتمارس فقط بطولة و'أكروبات' البقاء على قيد الحياة، وتعاني السحق والتهميش الغالب في ممالك الصمت العائلي.
ومن هذه الزاوية الأخيرة بالذات، ومع ضغط أزمات الاقتصاد الدولي على اقتصاداتنا الريعية المنهوبة، وارتفاع أسعار الغذاء عالميا، وتضاعف فواتير الاستيراد، والتهاب السطح الاجتماعي المحتقن بشدة، تبدو انتفاضة تونس البطلة اختراقا هائلا للصمت، صحيح أنه سبقتها اختراقات جرت في مصر، توالت مشاهدها السياسية والاجتماعية على مدى خمس سنوات خلت، وإن بدت متقطعة، تطفو وتخبو، وصحيح أنه لحقتها هبة الجزائر في مظاهرات الزيت والسكر الأخيرة.
وإن بدت عنيفة بطبع الجزائريين الملتهب، لكن انتفاضة تونس هي الأطول زمنا والأبعد مدى، ربما لأن قطاعات في 'الاتحاد التونسي للشغل' ظلت محصنة ضد التغول الأمني، ومزجت دواعي الغضب الاجتماعي بدواعي الغضب السياسي، ثم جاء الدم الشهيد ليزيل الغشاوات عن الأبصار، ويتصاعد بالعصيان السلمي إلى ذروة أعلى، وأيا ما يكون مجرى الحوادث اللاحقة، فلن تعود تونس لما كانت عليه أبدا، ثم ان شرارة تونس تشعل النار في هشيمنا جميعا، ولسبب ظاهر، وهو أنه حتى الحياة الذليلة لم تعد ممكنة، وفي بيئة اليأس الطاغي، يصبح الموت صرختنا الأخيرة، وطاقة العبور لحياة تليق، وعلى طريقة الشهيد محمد البوعزيزي.

الجمعة، 14 يناير 2011

عبدالحليم قنديل يكتب: من يقتل الأقباط؟



حادث الهجوم الإرهابي على كنيسة الإسكندرية أثار فزع المصريين، ليس فقط لأن الحادث الأثيم وقع في دار عبادة يفترض الأمن فيها، وليس فقط لأنه جرى في أعياد الميلاد المجيد، بل لأنه وقع من الأصل، وبالطريقة المحترفة التي نفذ بها، وفي العاصمة الثانية للبلاد، وليس في أعماق الصعيد النائي بمشكلاته وثاراته المتراكمة .
فقد كان آخر عهد مصر بحوادث إرهاب منتظمة في أواخر 1997، حين وقع حادث الأقصر الشهير، وراح ضحيته عشرات من السياح الأجانب، ومن وقتها لم تقع حوادث إرهاب سوى في شرق سيناء، في طابا ودهب وشرم الشيخ، في المنطقة منزوعة السلاح بمقتضى اتفاقات كامب ديفيد، وحيث تتكاثر الثغرات الأمنية، ويسهل الحصول على السلاح والمتفجرات، وتتداخل دواعي كراهية الإسرائيليين مع النقمة على الطبقة المترفة المتحالفة معهم، ومع دواعي ظلم مفزع واقع على أبناء سيناء، الذين تعاملهم السلطات كأنهم في معسكر اعتقال، وتتخفى بهمومهم وأوجاعهم عن مركز الصخب في القاهرة البعيدة عن حدود الشرق .
وقبل أسابيع طويلة من وقوع حادث الإسكندرية، كانت التهديدات معلنة من قبل ما يسمى 'تنظيم القاعدة'، وكان رد السلطات الأمنية المصرية يبدو واثقا، وأقرب إلى السخرية والاستهزاء بتهديدات 'القاعدة'، التي تعلقت باستهداف الكنائس، وقيل انه تم تشديد الإجراءات الأمنية، وطبيعي أنه يتم التشديد أكثر في الأعياد، وحيث يكثر رواد الكنائس، ومع ذلك وقع الحادث الدموي المروع وعلى نحو خاطف صاعق، وكأن الذين دبروه ونفذوه يسخرون بدورهم من أجهزة أمنية متضخمة متورمة، وأيا ما كانت أسماء هؤلاء، وأيا ما كانت الجهات التي تدعمهم، فقد كشف الحادث عن خرق أمني متسع، وعن تقصير أمني فادح يفتح الباب لخطر الإرهاب مجددا، ويغري بإعادة تكوين جماعات إرهابية جديدة، بعد ان أحيلت 'الجماعة الاسلامية' و'تنظيم الجهاد' إلى التقاعد، وكفت عن الإرهاب ببيانات وقف العنف، وتركت الساحة لعنف الدولة وحدها .
وقبل 24 ساعة من وقوع حادث الإسكندرية الدامي، كانت أجهزة الأمن المصرية مشغولة بإرهاب المواطنين، والاعتداء الوحشي على طلائع كفاية وأخواتها، الذين نظموا وقفة احتجاجية سلمية في دمنهور القريبة من الاسكندرية، وبهدف التصدي الشعبي لجريمة تحمل عنوان 'مولد أبو حصيرة '، الذي ظل يقام رغم صدور حكم قضائي نهائي بات بإلغائه، ويتدفق عليه مئات من الإسرائيليين، وفي ما يشبه التمهيد لإنشاء مستوطنة إسرائيلية في قلب الدلتا المصرية، وكان قرار وزارة الداخلية هو الدفاع عن الإسرائيليين، ومنع الوقفة الاحتجاجية، واعتقال عشرات من المتظاهرين، وتحويل شوارع دمنهور إلى مسرح لمطاردات شبه حربية، والتحقيق مع المعتقلين بتهمة بدت فاضحة كاشفة، فلم يقتصر التحقيق، كما جرت العادة، على اتهام المعتقلين بالانتماء لتنظيم كفاية 'المحظور'، بل اشتملت التهمة، وهنا وجه العجب، على ترديد هتافات 'معادية للصهيونية'، وكأن العداء لإسرائيل صار جريمة تهدد أمن الدولة المصرية .
والمعنى، أن أولويات الأمن المصري صارت مقلوبة بالكامل، خاصة عند جهاز مباحث أمن الدولة، الذي يضرب بشدة على رأس ويد المصريين المعادين لإسرائيل والصهيونية، في الوقت الذي يعلن فيه جهاز المخابرات العامة عن اكتشاف شبكات تجسس إسرائيلية، وكأننا بصدد دولتين لا دولة واحدة، دولة تابعة لمدير جهاز المخابرات عمر سليمان، ودولة أخرى يديرها وزير الداخلية حبيب العادلي، تخدم الإسرائيليين وتحميهم بالقوة في مولد 'أبو حصيرة'، وتطارد المعادين لإسرائيل من الكفائيين وغيرهم، وتواصل حملات اعتقالها لآلاف تلو آلاف من كوادر جماعة الاخوان المسلمين، وتتكفل بعمليات التزوير الفاجر للانتخابات العامة، وترتكب جرائم التعذيب حتى الموت في السجون وأقسام الشرطة، وتستعين بقوات الأمن المركزي ـ التابعة لها ـ لإرهاب أي صوت وطني يناوئ النظام أو يطلب الحرية، وتنشغل بتحرياتها العبثية وتشويهاتها المريضة للمعارضين السلميين، وتخلق الأجواء المواتية لعودة إرهاب أعمى يضرب في المكان الخطأ، وفي الزمان الخطأ .
وطبيعي، أن أجهزة أمن أخرى دخلت على الخط، وبعد أن بانت خيبة جهاز مباحث أمن الدولة، وربما تنتهي الجهود إلى كشف خيوط، وتقديم قوائم وقرائن وقرارات اتهام، قد لا يصدقها المصريون تماما، فلا أحد يشعر بالأمان ولا بالثقة في مصر، وفي بيئة توحشت فيها أجهزة الأمن الداخلي بالذات، وداست على كرامات الناس، وأصبحت خطرا على حياتهم لا ضمانا لأمنهم، فعصا الأمن وحدها لا تقيم نظاما، ولا تكفل استقرارا، والبلطجة الرسمية تغري بالتقليد، وتستنسخ أقرانا لها في صورة جماعات بلطجة أهلية، تتكامل معها في الأنشطة الإجرامية، وهو ما بدا ظاهرا في عمليات التزوير الشامل للانتخابات الأخيرة، وفي دعم جماعات السنج والسيوف والمطاوي لعصي وبنادق الأمن المركزي، ثم ان الإرهاب الرسمي يستثير إرهابا من نوع آخر، يضرب في ما يتصوره مواطن الضعف، ويستفيد من أجواء احتقان سياسي واجتماعي وطائفي طافح، ويحرف الأبصار عن موطن الداء الأصلي في حكم جماعة مبارك، ويصرف البصر إلى تضخم مرئي لدولة البابا شنودة، التي تورطت في علاقة تواطؤ وجوار حسن مع دولة مبارك، وتداخلت بسلوكها وتقاطعت بضغوطها مع ذوي القربى في جماعة آل مبارك وأجهزة أمنها، وتلك حالة التباس مربكة، تنتهي إلى استبدال صور، وإلى اختلاط أوراق، وإلى تصريف طائفي خطر للاحتقان الاجتماعي، يكون الأقباط المسيحيون ضحيته الأولى .
نقول ذلك حتى لا تضيع البصيرة، ونتصور حلولا هي الغلط بعينه، فليست القضية الأصلية في مظالم حقيقية تلحق بالأقباط المسيحيين، بل القضية في مظالم أفدح لحقت بعموم المصريين، وليست الحلول ـ فقط ـ في تلبية ما يسمى مطالب المسيحيين، وهي حقوق بديهية لهم ولغيرهم، ومن نوع قانون موحد لبناء دور العبادة، أو التعجيل بإصدار قانون الأحوال الشخصية الجديد لطوائف المسيحيين، فحتى لو تحققت هذه المطالب الآن وفورا، فلن تؤدي إلى زوال الخطر، ولا ضمان الأمان للمصريين والمسيحيين بالذات، فحق المواطنة ليس نصا في قانون، وما أكثر النصوص الزاعقة بضمان الحقوق في مصر، لكن الواقع شيء آخر مختلف، فحقوق المواطنة محجوبة عن المسلمين قبل وبعد المسيحيين، والدين ـ في الممارسة ـ لا يبدو خالصا لوجه الله، بينما الدهس والتعذيب مكفول للجميع، والغضب الطائفي يرتد على أصحابه ويفاقم الاحتقان، وطلب النجدة من أمريكا يعني ضمان القتل للأقباط المسيحيين، فأصل الداء في الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على أقدار المصريين، أصل الداء في جماعة تنهب وتحكم بالوكالة عن واشنطن وتل أبيب، ومطالب الغاضبين المنددين بحادث الإسكندرية لا يصح أن تقع في الخطأ نفسه، وأن تصور الأمر سجالا بين تطرف إسلامي وتطرف مسيحي، وأن تتنكر لبركة دم الشهداء، التي تزيح الغشاوات عن الأبصار، فإذا هي اليوم حديد، فلا حل حتى لو أقال مبارك وزير داخليته، والحل الوحيد الصحيح هو المطالبة بإقالة مبارك نفسه، وكنس اختيارات نظامه التي انحطت بمكانة مصر وأذلت أهلها، وجعلتها صيدا سهلا لجماعات الإرهاب العائد

الخميس، 13 يناير 2011

كلام فى سرادق العزاء – بقلم: إبراهيم عيسى



كل الحقوق التى يطالب بها الأقباط.. حقهم فعلا
لاهى منة ولا منحة ولا كرم ولا تنازل من أحد
لكنهم لن يحصلوا على هذه الحقوق عن طريق نفاق حسنى مبارك ولا نفاق نجله كما أنهم لن يحصلوا على أى حق طالما بقى هذا البلد مستبدا وديكتاتوريا ومزورا للانتخابات ومحتكرا للسلطة!

جريمة الإسكندرية لم تصنع فتنة ولا احتقانا لكنها كشفت عنه ، أظهرت المدى العميق والبالغ من الاحساس بالظلم  الذى يشعر به الأقباط ، وتفجرت مع شظايا قنبلة الإرهابى الاحتياج لاعلان الصوت القبطى عاليا وشجاعا لأول مرة بمطالبه ، لكن سرعان ما سلم الأقباط حناجرهم وشجاعتهم للكنيسة!

يتخيل الأقباط نتيجة سيطرة كاملة وشاملة من الكنيسة على العقل القبطى أن مشاكلهم التى صنعها النظام سوف يحلها نفس النظام ، ويتصور الأقباط أن نظام مبارك الذي لايكفون لحظة عن اتهامه بتمييزهم وتخوينهم ومنعهم من حقوقهم –وهذا صحيح- سوف يتحول فجأة إلى ملاك بجناحين ويوافق على رد هذه الحقوق لأصحابها عن طريق ضغط البابا وحكمة الرئيس !
والحقيقة أن مشكلة مصر كلها أن حكمة الرئيس وحدها هى التى تحكم البلد
ومشكلة الأقباط أنهم صاروا يتحدثون باعتبارهم شعب الكنيسة اكثر مما يتحدثون بصفتهم شعب مصر !

مشهد ذهاب المسئولين لتعزية البابا فى الكنيسة كان إعلانا مزريا على  أن مصر ليست دولة مدنية وقد فرح الأقباط جدا بأن الحكام والمسئولين والشيوخ ذهبوا لتعزية البابا ونسوا أن هذا إعلان بأننا دولة دينية وليست مدنية على الإطلاق فلو قتل مصريون فى جامع هل كان أحد سيذهب لتعزية شيخ الآزهر ؟
ربما يقول الأقباط أنهم دينيا شعب الكنيسة وهذه هى تعاليمهم لكن ربما هى كذلك فى الإطار الروحى والعقيدى لكن فى إطار دولة مدنية لا يمكن أن يكون البابا هو ولى أمر الأقباط أو رئيس حزبهم أو رئيسهم السياسى ورافع مطالبهم !  فإن استشهد منهم شهداء ذهب الجميع لتعزية البابا، إذن مطالب الأقباط المدنية والحقوقية مسئولية البابا و لمن يصوتون فى الانتخابات مسئولية البابا و المرشح الرئاسى الذين يؤيدونه يحصلون على أسمه من الكنيسة والبابا فالبابا يعرف أكثر!

أليست هذه هى الدولة الدينية التى يكرهها الأقباط ويرفضونها أم أنهم يرفضون الدولة الدينية المسلمة بينما يتمسكون بالدولة الدينية القبطية!
كل حقوق الأقباط هى حق لهم
لكن لم نسمع الأقباط ولا الكنيسة تتحدث عن حقوق الانتخابات الحرة والنزيهة وتداول السلطة والعدالة والمساواة ورفض الأحكام العسكرية والوقوف أمام استمرار قانون الطوارئ والمطالبة بحق تشكيل الأحزاب وإصدار الصحف والمحطات التليفزيونية والتصدى للتعذيب فى السجون والأقسام بينما كل الذين يطالبون بهذه المطالب يطالبون بحقوق الأقباط معها وفيها!

الأقباط يتحدثون للأسف عن قبطيتهم فقط
ثم يهللون ويزمرون ويطبلون للرئيس مبارك الذى يتهمون نظامه ليل نهار بإضطهادهم!

الأقباط لايريدون شيوخا متعصبين يروجون لكراهية الأقباط لكنهم يدافعون جدا عن قساوستهم الذين يتبادلون التعصب بتطرف ويردون على الجهل بماهو أجهل !
خرج الأقباط بعد العملية الإرهابية فى غضب حقيقى ومفهوم ومستحق لكن خرجوا بشكل عشوائى وفوضوى  فقالت الدولة  للكنيسة سكتيهم فسكتتهم الكنيسة وسكتوا، إذن هى حسبة بين الدولة والكنيسة وليست بين مواطنين ووطن!
الأقباط يطلبون المواطنة لكنهم يتصرفون كأقباط وليس كمواطنين !

أسأل وجه الله تعالى حين أؤكد أن شيئا حقيقيا لم يتغير منذ لحظة جريمة الإسكندرية  البشعة والتى يدينها الجميع كأن الإدانة فضل وتفضل منهم  وكأن من الممكن ألا يدينها ضمير أو عقل !!،  فأغلب ردود الفعل الإيجابية كانت عاطفية ولعل بعض الأقباط رصدوا فى المترو والأتوبيس والميكروباص ملامح من تغير عاطفى منشود يردم التشققات ويرمم الخدوش التى أصابت صلابة العيش المشترك لكن ماهو أبعد من العواطف –على أهميتها- لم يتحقق!

المبادرة والفعل جاء من جمهور الفيس بوك الذى عودنا على أنه أشرف ظاهرة مصرية الآن فجماعات الفيس بوك التى يكرها النظام ويسبها الاعلام الحكومى ويتهمها بالإنحراف هى التى قادت فكرة زيارات الكنائس فى العيد وهم الذين علقوا صور الهلال مع الصليب على صفحاتهم وأغلب هؤلاء (إن لم يكونوا كلهم) من مثقفى وشباب مصر الذى يعلن تأييده للدكتور محمد البرادعى على الفيس بوك أو يهاجم الاستبداد والتزوير ويفضح ممارسات الاعلام المهجن أو الحكومى  وهو الجمهور نفسه  الذى خاض نضالا مدنيا رائعا فى قضية الراحل خالد سعيد ، إذن لاجديد من عالم الفيس بوك سوى تأكيد شرف ونبل هذه الظاهرة واتساقها مع نفسها!

أما على الانترنت بشكله الأوسع حيث مواقع السلفيين والأقباط فلا أظن شيئا تغير ولو عاطفيا ربما بعض الهدوء أو الهدنة أو الخوف لكن بمرور الأيام بدا أنه لاشيئ  جذرى ولا حتى ثانوى فى سبيله للتغير !
أما الانطباعات الجميلة عن التكاتف التى يرددها كثيرون فى النخبة فهى انطباعات حقيقية بالتأكيد لكنها ربما  داخل دوائر محدودة لا هى ممثلة للقطاع الأوسع والأعرض ولا هى واصلة للأرياف والصعيد ، أو مشاعر قاهرية أغلبها وارد الجلسات النخبوية والمثقفة أو الصخب التليفزيونى الدعائى الفج الذى لم يخرج عن منهج الحشد والتعبئة والدعاية والكل يقول نفس الكلام الواحد الموحد المصاغ بطريقة إعلانات الحزب الوطنى فى حملته الانتخابية عن أن كل شيئ وردى فى بلد يغلبها عليها لون التراب والدخان!

من ناحية الأحزاب فهى تفهم دورها جيدا وهو الاستجابة للبروجى فورا عندما يزمر لها سادتها فى أمن الدولة  ، فإجتماعات الأحزاب كانت آية فى التفاهة وقلة القيمة والكلام الفارغ حيث يجتمعون فى حزب يقول عن نفسه أنه حزب كبير ربما لأنه يملك المقر الكبير حيث يتحول بيت كان مفتوحا للأمة إلى بيت للإماء الذين يسمعون أوامر الدولة أن تضامنوا مع النظام والحكومة وسمعونا صلاة النبى فلا مطالبة بمحاسبة مقصر ولا علاج تقصير ولا إدانة لمهملين ولا تحميل لمسئولية بل لغو فارغ ، لكن يبقى أنها أحزاب تافهة لا تنجح فى انتخابات على كرسى معسل وليس  على كرسى فى برلمان فلا اكثر من دور التجميل الذى تحتاجه الدولة فى مواقف مثل هذه حيث الوطنية من وجهة نظر المعارضة هى الوقوف جنب النظام المقصر والحكم المستبد لرفع البنطلون إن سقط !
شوفوا مصر تعانى من غزو وهابى قوى ومتغلغل وغنى ماليا ومدعوم خارجيا وداخليا ينشر فى عقول الناس من خلال آلاف المساجد ومعاهد الدعاة والدعوة والجمعيات السلفية وأنصار السنة  أن الكل كافر شيعة وقرآنيين وأقباطا وعلمانيين ومفكرين وكل من يختلف عن الفكر الوهابى الذى يحصر الاسلام فى لحية طويلة كثيفة وحف للشارب وحجاب ونقاب وميكرفون جامع وطاعة للسيد الرئيس او جلالة الملك  ، الكل  سيذهب للنار وبئس المصير ماعدا السلفيين الوهابيين فيدخلون الجنة حدفا ، ثم أن الجنة ليست للذى يطبق تعاليم الإسلام بل للذى يكره الدين الآخر وأى مذهب آخر داخل دينه نفسه ، الجهاد عند هؤلاء هو الجهاد ضد المسيحى والشيعى والعلمانى والمرأة غير المحجبة وليس الجهاد ضد الإسرائيلى المحتل أو ضد الجور والظلم!

هؤلاء هم ثروة الحزب الوطنى وهم أسلحة مباحث أمن الدولة ولن تتنازل الدولة للأقباط مقابل إغضاب هؤلاء أو فقدان دورهم ، الدولة ستفعل ما تفعله دوما وهو اللعب بالأقباط وبالسلفيين الوهابيين فى نفس الوقت واستخدامهم فى معركة البقاء فى الحكم للأبد من اجل الفساد والاستبداد
ربما لأسباب لها علاقة بالاتحاد الأوروبى ورغبة الحزب الحاكم فى التجمل وتحضير بضاعة للتصدير فقد  تحصل الكنيسة لا الأقباط على فتات حقوق أو عطايا قانونية فارغة المحتوى وسوف تشكر الكنيسة الرئيس وتقبل خد نجله !

كل حقوق الأقباط التى هى حق لهم لن يحصلوا عليها من نظام مستبد
لكن الأقباط لايريدون أبدا أن يعرفوا هذا ويراهنون على المستبد لأن البابا قال لهم ذلك
السؤال ما موقع البابا فى الدولة المدنية التى نريدها ؟
لكن أمانة تسلموا لنا على المواطنة!


الثلاثاء، 14 ديسمبر 2010

شخصيات مثيرة للجدل ::عبد الحليم قنديل

عبد الحليم قنديل






من عبد الحليم قنديل1956... طبيب ،وصحفي معارض مصري وهو المنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية  ذو اتجاه قومي عربي

عبد الحليم قنديل؛ المنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير“كفاية
محتويات
1 أعماله
2 اعتقاله من قبل السلطات الأردنية
أعماله
عبد الحليم قنديل ولد بقرية الطويلة محافظة المنصورة ترجع اصوله الي محافظة الشرقية فجده الأكبر قنديل خليل كان عمدة قرية المحمودية مركز ههيا محافظة الشرقية عام 1830 م وما زال مركز ثقل عائلته بقرية المحمودية.. تخرج عبد الحليم قنديل من كلية الطب جامعة المنصورة، وعمل بمستشفيات وزارة الصحة بالدقهلية والقاهرة ثم ترك الطب عام 1985م وعمل بالصحافة.. أنشأ مجلة "الغد العربي" وترأس تحرير صحف "العربي"، " الكرامة"، "صوت الأمة".. خاض معارك قوية ضد نظام مبارك تعرض بسببها لملاحقات أمنية وصلت لحد الاختطاف والترويع والإقالة من الجرائد التي يترأس تحريرها ومنع مقالات له من المطبعة نتيجة لضغوط أمنية.. وعلى المستوى السياسي يعد من أصلب المعارضين لنظام مبارك وأحد أهم مؤسسي حركة كفاية التي يشغل الآن منصب منسقها العام وصاحب الدعوة لإتلاف المصريين من أجل التغيير وأحد أهم مؤسسيه وصاحب صياغة بيانه التأسيسي الذي وقع عليه الكثير من الشخصيات العامة والمناضلين السياسيين والكثير من الفئات العمالية والشبابية والقيادات النقابية.
رئيس تحرير صحيفة صوت الأمة المصرية
رأس تحرير عدد من أهم الصحف المصرية مثل العربي الناصري والكرامة
ساهم في رفع سقف حرية التعبير في مصر عبر كتاباته السياسية الجريئة
أحد الاعضاء المؤسسين في حركة كفاية.
أول من تعرض بالإنتقاد لرئيس الجمهورية حسني مبارك ونجله جمال مبارك في الصحف المصرية والعربية
تعرض للإختطاف وتجريدة من ملابسة بالكامل وألقي في الصحراء بعد الاعتداء عليه بدنيا إلى أن أنقذته إحدى دوريات الجيش المصري بالصدفة
اعتقاله من قبل السلطات الأردنية
تم اعتقال قنديل صباح يوم السبت 15 من مايو عام 2010 لدى وصوله إلى مطار الملكة علياء الدولي بالعاصمة الأردنية للمشاركة في إحدى الفعاليات التي ينظمها مجمع النقابات المهنية الأردنية إحياءََ للذكرى الـ62 لنكبة الشعب الفلسطيني. مما دعى الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان لاصدار بيان تحمّل فيه الحكومتين المصرية والأردنية مسؤلية سلامة وحرية قنديل.. وتم الإفراج عنه في يوم الأحد 16 من مايو عام 2010 ليسمح له بدخول الأردن دون أي تفسير لهذا الإجراء؛ اعتقالً أو إفراجَ ودون أي تعليق من الخارجية المصرية بهذا الشأن
 احتجاز عبد الحليم قنديل بمطار عمّان، الجزيرة.
 المنظمة تناشد السلطات الأردنية الإفراج عن الكاتب السياسي المصري عبد الحليم قنديل، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان.
 الأردن تفرج عن عبد الحليم قنديل بعد احتجازه لسبع ساعات، جريدة الدستور المصرية.
 استيقاف الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل في مطار عمان سبع ساعات الشبكة العربية تطالب المخابرات الأردنية بوقف ممارستها العدوانية ضد الصحفيين والنشطاء ، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان.
عبد الحليم قنديل:شاهدت بعيني الإنتهاكات الجنسية ضد صحفيات ومحاميات
كتاب:كارت أحمر للرئيس، عروض كتب، الجزيرة نت، 23 أغسطس 2009م


عبد الحليم قنديل: مفاوضات افتراضية


هل من معنى لإطلاق مفاوضات مباشرة ـ في واشنطن ـ يعلم المشاركون فيها قبل غيرهم أنها لن تصل لنتيجة أفضل من الصفر؟
لا نسأل هنا عن المعنى عند إسرائيل، ولاعند نتنياهو، فقد أراد الرجل، وحصل على ما أراد بالضبط، طلب نتنياهو وقف المفاوضات غير المباشرة برعاية جورج ميتشل، وطلب الانتقال إلى مفاوضات مباشرة مع عباس، ونظر شزرا إلى مطالب الأخير باشتراط تجميد الاستيطان في الضفة والقدس، وإلى مطالب عباس بإصدار بيان من الرباعية الدولية يتحدث عن أراضي 1967، وإلى مطالبه بالحصول على ضمانات أمريكية، وأصر نتنياهو على العكس، وألا تكون هناك أي ضمانات أو بيانات محددة، وسوى كلام باهت لا معنى له عن جولة مفاوضات تمتد لعام، وخضعت واشنطن لما أراد نتنياهو، وخضع عباس بالطبع، وحقق نتنياهو هدفه، وحول معنى المفاوضات المباشرة إلى إملاءات مباشرة، وهذه هي القاعدة التي ترسم خطوط السير فيما يلي، فلا قيمة لما يريده أي طرف، ولا معنى له، إلا أن يريد ما يريده نتنياهو، وأن تتحول المفاوضات بين عباس ونتنياهو إلى مفاوضات بين نتنياهو ونتنياهو، ومادام نتنياهو يفاوض نفسه، فقد كسب حرب الكلام قبل أن تبدأ.
وربما لا نسأل هنا عن المعني في موقف واشنطن، فإدارة أوباما في خدمة نتنياهو طبعا، ودع أوباما أوهامه المبكرة عن حل للفلسطينيين يجري التوصل إليه برعايته، وانتهى إلى الموقف نفسه الذي انتهى إليه أسلافه من الرؤساء الأمريكيين، وهو إعطاء الأولوية المطلقة لما تريده إسرائيل، فالعلاقة بين أمريكا وإسرائيل حالة اندماج استراتيجي، وخيبات أمريكا المتوالية في العراق وأفغانستان زادت من أهمية إسرائيل لدى صناع السياسة الأمريكية، وما تنفقه أمريكا على إسرائيل أقل مما أنفقته في حربي العراق وأفغانستان، والقاعدة الإسرائيلية هي أهم حاملة طائرات وصواريخ أمريكية في العالم كله، فقد أنفقت أمريكا تريليون دولار في العراق، وأنفقت مثلها في أفغانستان، ودفعت من دم جنودها بعشرات الألوف، وخسرت الحربين معا، وهي لا تريد أن تخسر قاعدتها الأصلب في إسرائيل، ثم أن إسرائيل لاعب أساسي في واشنطن نفسها، وتضاغطات الفترة الأولى لإدارة أوباما، أثبتت أنه لا صوت يعلو فوق صوت إسرائيل في واشنطن، وبمزيج المصالح الكونية والداخلية للإدارة الأمريكية، انتهى الشد والجذب لتجديد قاعدة الولاء لإسرائيل، فأوباما يريد كسب عطف اللوبي اليهودي في انتخابات التجديد النصفي الوشيكة للكونجرس، ويطمح في البقاء لمدة ثانية في البيت الأبيض، ويريد تجنب الصداع
المزيد

الاعتراف مقابل الغذاء: احذروا المؤامرة


 عبد الحليم قنديل

إنجازات حركة أحرار العالم قد تتعرض للنشل في سراديب ومفاوضات ما يسمى "المجتمع الدولي".
ودم شهداء الحرية قد يضيع هباء، وتعجل قطف الثمار من جذورها قد يقودنا إلى مرارات أفظع من ظاهر المأساة الإنسانية لأبناء غزة.
لاحظ أن كل رموز الشر تتحدث الآن عن تخفيف حصار غزة، وكأنهم اكتشفوا فجأة - بعد صمت أربع سنوات - حقيقة حصار غزة، فالبيت الأبيض يتحدث، والرجل الروبوت بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، وتوني بلير ممثل اللجنة الرباعية، وحسني مبارك أيضاً، وقد التقى الأخير مع جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي في شرم الشيخ، وصدر بيان عن مكتب بايدن - بعدها - يشير إلى حركة حماس بوصفها حركة "إرهابية"، ويتحدث عن صيغ لتخفيف الحصار على غزة.
إنها أطراف عملية السلام إياها، توحي بإحناء الرأس لعواصف وانتفاضات السفن، وتتحرك بدأب لطبخ تسوية جديدة، العنوان: تخفيف الحصار، وفي المضامين: متاهات واتفاقات وخرائط وشروط على طريقة أوسلو وأخواتها، كانت أوسلو - بخيباتها ونكباتها - طياً لصفحة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وشيء كهذا يراد بالطبخة الجديدة، أي أن تكون حكاية تخفيف الحصار طياً لصفحة انتفاضة السفن، وإكمالاً لطوق السيطرة الإسرائيلية على معابر غزة، وبتكاليف أقل، ف"إسرائيل" تسيطر فعلياً على ستة معابر، ويراد - بالطبخة الجديدة - أن تسيطر "إسرائيل" بمعونة النظام المصري حليفها الإقليمي على معبر رفح، وأن تسيطر بمعونة الاتحاد الأوروبي - وربما أمريكا - على منفذ إضافي على بحر غزة، وأن يجري كل ذلك تحت عناوين التفتيش والمراقبة وضمان أمن "إسرائيل" ومنع تهريب الأسلحة إلى حماس.
وصفقة من هذا النوع تعني التالي، وهو أن تتحسن الأمور المعيشية جزئياً في غزة، وأن تسوء الأمور السياسية في نفس الوقت، أن تنفك التعبئة الجارية في الشارع العربي والعالمي لنصرة الشعب الفلسطيني، وأن تحجز المقاومة عن الفعل، فأي رصاصة أو صاروخ فلسطيني قد يعني عودة الحصار كاملاً، وبضغط الأطراف الإقليمية والدولية التي ت
المزيد

جمعية لتحرير الشعب المصري عبد الحليم قنديل 23/11/2009

نعم، مصر في لحظة خطر عاصف، وبأكثر مما كانت عليه في أي وقت خلال الثلاثين سنة الأخيرة، فنحن بصدد بلد عند مفارق الطرق، وفي سنتين حاسمتين سوف يتقرر فيهما مصير البلاد لزمان طويل مقبل.
بدأت السنتان بالفعل عند حاجز أيلول (سبتمبر) 2009، وعلى الطريق علامات زيف عن وضع النظام العائلي المستبد الناهب التابع، انتخابات تجديد نصفي لمجلس الشورى، وانتخابات كاملة لمجلس الشعب على منحدر شهور نهاية 2010، وانتخابات رئاسة في أيلول (سبتمبر) 2011، وضع من فضلك ألف قوس ثقيل أسود حول كلمة ‘انتخابات’، فانتخابات نظام الديكتاتور عمل عبثي وفيلم كارتون، وتحولت إلى تعيينات بالأمر الإداري بعد تعديلات الانقلاب على الدستور التي استفتى عليها صوريا في 26 آذار (مارس) 2007، بعدها انتقلنا من ‘تزوير’ الانتخابات إلى ‘تشفير’ الانتخابات.
وأسوأ ما يمكن أن يجري، أن تنزلق أطراف المعارضة المصرية إلى لعبة نظام الديكتاتور، وأن تتورط في ‘انتخاباته’، وأن تشارك ـ بالقصد أو بدونه ـ في خداع الناس، وفي تزييف إرادة الشعب، وفي إضفاء مسحة جدية مفتعلة على لعبة هزلية تماما، وأن تعطي من ‘شرعية’ وجودها الانتخابي مددا لنظام غير شرعي بالجملة، أن تعطي ‘شرعية’ لعملية اغتصاب مباشر للبرلمان وللرئاسة، فلعبة النظام معروفة بالتفاصيل وخطوط السير، وهي أن ينظم انتخابات برلمانية تنتهي ـ في يوم واحد ـ إلى مذبحة تصفية شاملة للمعارضين الجديين، وأن يوزع ميراث المقاعد المغدورة بنصاب ‘الكوتة الأمنية’ على أحزاب مرخص بها أمنيا، وعلى أن يلعب هؤلاء ـ في دور لاحق ـ دور ‘الكومبارس’ في انتخابات رئاسة صورية، وأن تنتهي اللعبة ـ بإجراءاتها المزيفة ـ إلى التمديد لرئاسة مبارك الأب أو التوريث الرسمي لمبارك الابن، وقد أصدر ‘ائتلاف المصريين من أجل التغيير’، وهو إطار وطني جامع لأحزاب وحركات سياسية وشخصيات عامة، وقادة إضرابات واعتصامات اجتماعية، أصدر ‘ائتلاف التغيير’ وثيقة بالغة الأهمية عن الانتخابات البرلمانية المقبلة، ووضع فيها شروطا عشرة لضمان الحد الأدنى من جدية وسلامة وصحة الانتخابات، وكلها من قواعد الحد الأدنى المعترف بها دوليا كمعايير لنزاهة الانتخابات، وبلور الائتلاف نصا كاملا لمشروع قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية، ودعا نواب الائتلاف السبعة ـ مع نواب المعارضة الآخرين ـ لتقديم التشريع إلى البرلمان قبل نهاية العام الجاري، وأن تكون الخطوة اختبارا أخيرا لنوايا الحكم، وأن تقاطع المعارضة كل انتخابات النظام في حال رفضه لشروط الحد الأدنى، والمرجح ـ بالطبع ـ أن يرفض النظام هذه الشروط البديهية لتنظيم أي انتخابات قابلة للاعتراف بنتائجها.
ونتصور أن دعوة الائتلاف لايصح أن تتوقف عند نداء المقاطعة، بل أن ننتقل إلى تصور أكثر شمولا، نقطة البدء فيه: الخروج من ملعب النظام، فحين يكون الخصم حكما، لا تعود ثمة لعبة ولا ملعب، ولا أهداف تجد شباكها في مرمى مغلق يضيع معه الجهد المبذول، ويمضي الزمان المستحق، ويتحول وقت الحسم إلى وقت ضائع مقتطع من أعمارنا، ومن فرصة البلد فى النجاة، فماذا نفعل إذن ؟، ربما نجد أول الخيط فى نص البيان التأسيسي لائتلاف المصريين من أجل التغيير، والذي يصوغ تصورا مكتملا لمرحلة انتقالية لمدة سنتين تعقب إنهاء نظام الديكتاتور، وبطريق المقاومة المدنية والعصيان السلمي، البيان الذي صدر في 4 نيسان (أبريل) 2009 يرسم الهدف والوسيلة بإجمال، ودون التطرق لتفصيل صار لازما في خطة قابله للتطبيق من الآن، وفي مجرى الزمن العاصف الذى ينتظرنا فى عشرين شهرا تبدأ أول كانون الثاني (يناير) 2010.
واقتراحنا الذي نتقدم به باسم حركة كفاية غاية في البساطة، العنوان: جمعية عمومية للشعب المصري، ومن أربع موارد بشرية، أولها: النواب المعارضون الحاليون والسابقون، ثانيها: الشخصيات العامة والأدباء والعلماء والمفكرون وقادة الرأي العام، ثالثها: قادة أحزاب وجماعات وحركات سياسية تقبل الانضمام للمبادرة، ورابعها: قادة الإضرابات والاعتصامات الاجتماعية والنقابات المهنية والعمالية الأصلية والموازية، ومن مجموع هؤلاء تتكون جمعية الشعب المصري، وبثقل تمثيل شعبي مباشر وغير مباشر، ويعبر عن رغبة أغلبية تفوق بكثير نصف مجموع الشعب المصري، فالنواب المعارضون الحاليون والسابقون ـ وحدهم ـ يمثلون نسبة تكاد تصل إلى 40′ من المصريين، وفي دورات انتخابات أجراها النظام بنفسه، ووصل
المزيد

عن التوريث وجماعة أمريكا



عبد الحليم قنديل

لماذا أعلنت حركة ‘كفاية’ خـــروجها رسميا مما يسمى ‘الحملة المصرية ضد التوريث’؟، قد يثير الموقف تساؤلات بلا نهاية، وخصوصا لدى الذين قد تغيب عنهم تفاصيل خرائط المعارضة المصرية، وفي أعناقنا دين أن نشرح القصة كلها للرأي العام.
وقد لايتسع المقام لرواية تفاصيل بلا حصر، فقط نتوقف عند الإشارات الكبرى، فقد تلقيت ـ بصفتي المنسق العام لحركة كفاية ـ دعوة من أيمن نور المرشح الرئاسي السابق أوائل تشرين الأول (اكتوبر) 2009، كان العنوان: دعوة لإنشاء ما يسمى ‘الجبهة المعارضة للتوريث’، بدت الدعوة بعناوينها مثيرة للريب، فأيمن نور ـ لأسباب كثيرة ـ شخص ملتبس، وعلاقاته الأمريكية بالذات مثار شبهات وتكهنات، ثم أن الدعوة لجبهة جديدة بدت غريبة، فكفاية ـ في ذاتها ـ نواة ائتلاف وطني جامع ضد التمديد والتوريث معا، ثم أن كفاية بادرت بالدعوة لإنشاء ‘ائتلاف المصريين من أجل التغيير’، وهو جبهة واسعة تضم سبع حركات سياسية راديكالية مع قادة الغضب الاجتماعي ومئات الشخصيات العامة، وسبق لأيمن نور نفسه أن وقع على بيانها التأسيسي الذي أعلن في 4 نيسان (أبريل) 2009 ، وفي حوار لاحق بيننا جرى بناء على طلب وإلحاح نور، أبلغته رفض كفاية لتسمية ‘الجبهة’، وبدواع مفهومة، فنحن لانريد تفتيت الجهد الائتلافي الذي جرى، ونعطي الأولوية للبناء عليه، ثم صارحته بمخاوف من تفتيت قضية التغيير بعد تفتيت التنظيم، وحصر الموضوع كله في معارضة توريث جمال مبارك، وكأننا نتغاضى ضمنا عن التمديد لرئاسة مبارك الأب، بينما خطر التوريث في وضع العرض لمرض التمديد، وكان اقتراحنا أن يتغير المسمى إلى ‘الحملة المصرية ضد التوريث’، وأن تتضمن وثيقتها الأساسية رفضا للتمديد والتوريث معا، وأن يكون نشاطها في صورة حملة نوعية متصلة ببرامج عمل ‘ائتلاف المصريين من أجل التغيير’، ووافق نور بحماس ظاهر، وجرت الدعوة ـ من جانبه ـ لاجتماع الأطراف المستعدة للمشاركة في 14 تشرين الأول (اكتوبر) الفائت، وهنا وقعت الصدمة الأولى، فقد ذهبت الأطراف ـ وبينها ممثل لجماعة الإخوان ـ إلى اجتماع تشاوري في مقر حزب ‘الغد’، وفوجئت بنور، وقد أعد مؤتمرا صحافيا بدون مشورة أحد، وحول القصة كلها إلى حفل التقاط صور بدا فيه في صورة زعيم المعارضة، وهي صورة متلفزة تزيف الحقائق على الأرض، وبدت كطعنة مبكرة واختصار مخل يشوه القصة كلها .
وفي اجتماعات تشاورية لاحقة، بدا التوتر محمولا على أعناق الكلمات، وأصرت ‘كفاية’ على نقل الاجتماع من مقر ‘حزب الغد’ الذي يتزعمه نور، وهو ماتحقق، وتم إلغاء تعبير ‘ما يحكمش’ الذي اتخذه نور شعارا للحملة من طرف واحد، وبدواعي نقص لياقته اللفظية، فالتعبير دارج في أفلام السينما المصرية على شفاه الراقصات، وفي مواقف ‘المتمنعات وهن الراغبات’ (!)، ولا تصح مقارنته بشعار ‘كفاية’ التلقائي البليغ الناطق، واضطر نور للتراجع، وسحب الشعار الركيك، ثم تواترت دواعي الريبة في أصل القصة، فقد ثبت أن سعد الدين إبراهيم وجماعات لأقباط المهجر في أمريكا تلعب من وراء ستار، وكانت على صلة بمبادرة أيمن نور، وهنا أصرت ‘كفاية’ على قصر المشاركة في الحملة على المصريين في الداخل، وشددت على ربط العداء لنظام مبارك تمديدا وتوريثا بالعداء للمشروع الأمريكي الصهيوني وأدواته وإدارته الأمريكية، كانت دواعي الريبة تتكاثف، وكان الحرص زائدا على تضمين مبادئ كفاية في نص وثيقة ‘رسالة الحملة’، ونجحنا في الحصول على إجماع الأطراف المشاركة مع تململ ظاهر لأيمن نور، وقبل أن يجف حبر الوثيقة تكشف المخبوء الأخطر، فقد جرى الإعلان عن سفر أيمن نور لأمريكا، وعن اللقاءات التي أعدت له هناك، وانفجر الصدام صاخبا في اجتماع عقد بمقر حزب الجبهة الديمقراطية الذي يترأسه د . أسامة الغزالي حرب، وهو حزب ليبرالي أشد ضعفا من حزب أيمن نور، ولم تكن الحكاية في السفر المزمع كطقوس وإجراءات، ولا في قرار النائب العام بمنع نور من السفر، فنحن ضد منع أي مواطن من السفر خارج أحكام القضاء، وحرية التنقل من الحريات المدنية الأساسية، لكن الأهم كان في وثائق الدعوات التي حصلنا عليها، والتي كانت موضوعا لمواجهة ساخنة أخيرة، وقررت كفاية بعدها ترك الحملة نهائيا، ولاعتراضات جوهرية على مبدأ الاتصال أو الحوار مع الإدارة الأمريكية وسفارة ‘العم سام’ بالقاهرة .
في الوثائق ـ الموجودة لدينا ـ دعوات لنور من أربع جهات، أولها ‘ائتلاف المنظمات المصرية في أمريكا’، وهي جماعة لأمريكيين ذوي أصل مصري، والقوة الدافعة فيها لسعد الدين إبراهيم وكميل حليم من أقباط المهجر، وصلة إبراهيم بالإدارة الأمريكية مشهورة، فهو البوابة الكبرى لتوزيع تمويل بالملايين على جهات مصرية مقربة من أمريكا، ناهيك عن ارتباط جماعات من أقباط المهجر باللوبي الصهيوني في أمريكا، وجاءت الدعوتان الثانية والثالثة من مركز أبحاث ‘كارنيجي’ ومجلس العلاقات الخارجية، و
المزيد

نهاية عباس / عبد الحليم قنديل



لو كان لدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقية من حياء إنساني، ولا نقول شعورا وطنيا، لكان قد أعلن استقالته على الفور، وإثر انكشاف تورطه المزري في قبول طلب تأجيل نظر تقرير القاضي غولدستون في المجلس الدولي لحقوق الإنسان.
ونعرف أن عباس لن يستقيل، فأمره ليس في يده، ولا يستطيع أن يستقيل بغير أمر مباشر من الأمريكيين والإسرائيليين، وهم يريدونه أن يبقى، فلا أحد من قادة الشعب الفلسطيني يملك أن يخدمهم بأكثر مما يفعل عباس، وقد سيطروا عليه تماما بلغة السياسة وبلغة المخابرات، فقوات عباس في الضفة الغربية تحت إمرة الجنرال الأمريكي دايتون، وأعوان عباس الكبار ‘جماعة إسرائيلية’ بالمعنى الحرفي، وقد فضحت الصحافة الإسرائيلية عباس، وجردته تماما من كل معنى فلسطيني، والأخطر ما جرى من إذلال علني لعباس نفسه، والتهديد بإذاعة شريط فيديو لعباس مع الجنرال باراك وزير الدفاع الإسرائيلي، وفيه يطلب عباس ـ بإلحاح ـ أن تواصل إسرائيل الحرب على غزة، وحتى إفنائها بالكامل، وإسقاط سلطة حماس، وشريط فيديو آخر لاحد رجال عباس، وهو يطلب من معاون لباراك اقتحام مخيمات غزة، وقتل جميع سكانها لأنهم انتخبوا حماس، ولم يجرؤ عباس ـ بالطبع ـ أن يتحدى الإسرائيليين، ولا أن يطالبهم بالكشف عن أشرطة الفيديو المشار إليها في صحيفة ‘معاريف’، فهو يعلم ـ على ما يبدو ـ أنها الحقيقة، وإن لم يتوقع أن يصور الإسرائيليون جريمته، والواقعة أبشع من محضر الاجتماع الذي كشف عنه فاروق القدومي قبيل مؤتمر فتح الأخير، والذي يوحي بتورط عباس في حث الإسرائيليين ـ زمن حكومة شارون ـ على ارتكاب جريمة اغتيال الرئيس عرفات بالسم البطيء .
وقد وصلت الفضيحة إلى غايتها بتنصل كل الأطراف من فعلة عباس، عمرو موسى ـ أمين الجامعة العربية ـ استنكر بشدة تورط سلطة عباس، وحتى الحكومة المصرية ـ حليفة عباس الأولى ـ تبرأت من تصرفه، وإحسان أوغلو ـ أمين منظمة المؤتمر الإسلامي ـ ألقى باللوم على سلطة عباس، والتي أضاعت فرصة سانحة لإدانة إسرائيل دوليا، والتمهيد لمحاكمة قادتها بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية رصدها تقرير القاضي غولدستون، وقد كان ذلك ممكنا بسهولة في خرائط تصويت المجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف، وكان ممكنا أن نضغط بقرار دولي على مجلس الأمن، وهو ما لا يمكن الحصول عليه بتطوع ليبيا بطلب عرض تقرير غولدستون على مجلس الأمن مباشرة، وحيث الفيتو ـ الأمريكي والبريطاني والفرنسي ـ جاهز لوأد أية إجراءات، وهو ما يكشف عبث المناورة التي أقدم عليها عباس، وتظاهره بالذهاب إلى مجلس الأمن سترا لفضيحته، فقد ضاعت الفرصة الذهبية بخضوع عباس للأمر الإسر
المزيد

عبد الحليم قنديل يكتب :’تشفير’الانتخابات
 

 
ربما لا يصح لأحد عاقل أن يتحدث عن انتخابات ـ بالمعنى المفهوم عالميا ـ سوف تجري في مصر، فقد انتهت قصة الانتخابات في مصر، وتحولت إلى تعيينات بالأمر الإداري المباشر، وانتقلنا من ‘ تزوير’ الانتخابات إلى ‘تشفير ‘ الانتخابات، أي أننا صرنا بصدد انتخابات مشفرة كقنوات التليفزيون المشفرة، لا يراها أحد، وربما بغير اشتراك خاص ووصلة خاصة تربط بالمقار الرئيسية لجهاز مباحث أمن الدولة.
وقد كانت الانتخابات العامة دائما صداعا مزمنا في مصر، وظلت الشكوى من ‘التزوير المنهجي’ سيدة الحال، فنحن بصدد بلد خاص جدا، بلد بدت الدولة فيه كمجرى النيل، بينما يبدو المجتمع مصنوعا على عين الدولة، وظلت السلطة من أسرار الكهنوت، ومع ثورة 1919 بدأت القصة الليبرالية على الطريقة المصرية، وجرت عشرات الدورات من الانتخابات بين عامي 1919 وإلى ثورة 1952، ولم يصعد حزب الوفد ـ صاحب الأغلبية الشعبية وقتها ـ إلى منصة الحكم سوى سبع سنوات لا غير، وثبت أن الأصل العام كان التزوير، بينما النزاهة النسبية هي الاستثناء النادر، ومع ثورة 1952 تكونت سلطة ذات أولويات مختلفة، طغت أولويات العدالة والتنمية والنهضة والتوحيد القومي العربي، بينما كانت الانتخابات ووسائلها شبحا باهتا على أطراف الصورة، وكانت ظاهرة عبد الناصر ـ بشعبيته الكاسحة غير المسبوقة ولا الملحوقة ـ فوق نتائج انتخابات واستفتاءات مشكوك في سلامة إجراءاتها، ثم عاد الكلام عن الديمقراطية والانتخابات ملحا بعد الانقلاب على اختيارات عبد الناصر عقب حرب أكتوبر 1973، وتداعت من وقتها عشرات الدورات من الانتخابات والاستفتاءات، وجرى إنفاق المليارات في المواسم الانتخابية، ودون أن نصل لنتائج تستحق الثقة بها، ولو بمثقال خردلة، وبإقبال على التصويت ظل ينحسر إلى ما يقرب من الصفر، ولم تتوافر في دورة انتخابات واحدة أبسط دواعي السلامة، وإن جاز الحديث أحيانا عن نزاهة نسبية في دوائر انتخابات هنا أو هناك، وعلى نحو ما بدا ـ مثلا ـ في انتخابات 1976، والتي فاز فيها 15 نائبا عارضوا اتفاق كامب ديفيد، ثم أطيح بهم في قرار السادات بحل مجلس الشعب، وإجراء انتخابات توافرت فيها دواعي ‘التزوير الأصولي’ الشامل الجامع المانع، وهي القصة ذاتها التي بدا أنها قبلت التكرار في انتخابات 2005، والتي فاز فيها ما يزيد عن مئة نائب معارض أغلبهم من الإخوا
المزيد



عبد الحليم قنديل يكتب : عتاب للإخوان




لا يملك أي شخص ـ له إدعاء ديمقراطي ـ إلا أن يقف مع جماعة الإخوان في مصر هذه اللحظة ضد الهجمة الأمنية الضارية، وضد حملات التشويه التي يتعرض لها قادة الإخوان من أبواق النظام المصري . والحملة الشرسة ليست جديدة على أي حال، فقد بدأت منذ أواسط التسعينيات بإحالة عدد من قيادات الإخوان لمحاكمات عسكرية، سبقتها قرارات وقوانين لإعاقة تقدم الإخوان في النقابات المهنية وعاء الطبقة الوسطى، وأعقبتها حملات اعتقال كانت تهدأ حينا وتثور أحيانا، لكنها تحولت إلى عادة مرعية منذ فوز الإخوان بخمس مقاعد البرلمان الرسمي في انتخابات 2005، وبعد أن جرى قبلها إحالة المهندس خيرت الشاطر ـ النائب الثاني لمرشد الإخوان ـ مع إخوانه لمحاكمات عسكرية، وبتهم لم تكن ترد في العادة ضمن الاتهامات النمطية للإخوان، ومن نوع غسيل الأموال، وهي التهمة السفيهة ذاتها التي تتردد الآن مع اعتقال د. عبد المنعم أبو الفتوح ـ عضو مكتب الإرشاد ـ وإخوانه .
ولا يخفى مغزى الحملات الظالمة، فالاعتقالات المتصلة ـ وبصورة شبه يومية ـ تستهدف إنهاك الجهاز التنظيمي لجماعة الإخوان، وبالتوسع في اعتقالات القيادات الوسطى، ثم الإغارات الانتقائية على عدد من القيادات العليا، ثم التخفي وراء إدعاءات غسيل الأموال للاستيلاء على كافة الشركات والنشاطات الاقتصادية المحسوبة على الإخوان، أو القريبة منهم، وبتجفيف منابع التمويل المحتملة، وهكذا تصادر حريات قادة الإخوان وتصادر أموالهم، ولمجرد كونهم إخوانا، وإعدام حرياتهم وحقوقهم المدنية، وتسهيل مهمة النظام السارق في شفط أموال الإخوان وأسرهم وأنصارهم .
ولا أحد يتوقع أن تتوقف الحملة الهمجية ضد الإخوان مع بقاء النظام الحالي، فلسنا ـ فقط ـ بصدد صدام سياسي مفهوم الدواعي، بل بصدد ‘ صدام فيزيائي ‘ إن صح التعبير، فوجود جماعة الإخوان في ذاته يضايق النظام ويستثير أعصابه، ربما لأن النظام انتهى إلى رأس معلق على خازوق أمني، وبلا قواعد اجتماعية ولا سياسية تسند، بينما الإخوان ـ على العكس ـ تتسع قاعدتهم الشعبية، وهذا التناقض الفيزيائي يجعل القاعدة الأمنية للنظام في صدام متصل مع قيادات الإخوان ذوي القواعد الشعبية، أي أنه تتم تصفية الحساب مع جماعة الإخوان أمنيا، وبقاعدة الشك الأمني، وليس بدواعي خلاف سياسي لا يبدو مطردا، وبهدف الإزاحة الفيزيائية قبل السياسية، وفي حمى الانتهاكات والاحتكاكات المتصلة، تبدو الأجهزة الأمنية وكأنها ترفع شعار ‘ لا إخواني بعد اليوم ‘ في أي مجلس تمثيلي، وأن السماح بوجود الإخوان في البرلمان كان خطأ لا يصح أن يتكرر، وقد جرى تطبيق القاعدة في كل الانتخابات الصورية التي تمت بعد تعديلات الانقلاب على الدستور في 26 آذار (مارس) 2007، والتي ألغت ضمانة الإشراف القضائي في نص المادة 88، فلم يسمح بنفاذ إخواني واحد في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى التي جرت في نيسان (أبريل) 2007، ولا بنفاذ إخواني واحد في انتخابات المحليات التي جرت في نيسان (أبريل) 2008 بعد تأجيلها لعامين، وفي انتخابات مجلس الشعب المقبلة، وسواء جرى تبكيرها، أو تأجيلها إلى موعدها المقدور في نهايات 2010، فلن يسمح ـ غالبا ـ بوجود إخواني واحد، وبحيث تجري انتخابات الرئاسة الصورية ـ بعدها بعام ـ في غيبة أي وجود برلماني للإخوان .
ورغم وضوح هذه الصورة لقيادات الإخوان، إلا أن بعضهم ـ للأسف ـ يتصرف، وكأنه لا يرى ما يجري، وتصدر عنهم تصريحات تسيئ للإخوان شعبيا، وكأنهم ـ دون أن يدروا ـ يساندون حملة النظام لإقصاء الإخوان عن أي فعل سياسي مؤثر، فعدد من قادة الإخوان يحدثونك عن استعدادهم لخوض انتخابات البرلمان المقبلة، وبرغم توافر المعرفة بصوريتها، وتزويرها التام، وبرغم الدراية المسبقة باستهداف إقصاء الإخوان برلمانيا، والأعجب أنهم يصورون المشاركة في الانتخابات المزورة كواجب ديني، وهنا وجه للعتاب، فلا قيمة لخوض انتخابات مزورة بدعوى فضح النظام، فالنظام مفضوح بما يكفي، وهذه حقيقة معلومة للقاصي والداني في الدنيا كلها، والمشاركة في ‘ انتخابات مشفرة ‘ كهذه لا يعني سوى إضفاء الشرعية عليها، والإيهام بجديتها، وغش الناس، وتزييف وعيهم بحقيقة ما يجري، ثم أن بعض قادة الإخوان يصرون على الخطأ الأفدح، ويصورون فكرة التظاهر والمقاومة المدنية والعصيان السلمي كعمل غير أخلاقي، ولا تعدم من يقول لك ـ في تصريحات منشورة ـ أنه ليس من أخلاق الإخوان النزول إلى الشارع، ولا حتى الضغط بتحركات الشارع لإطلاق سراح معتقليهم، وكثيرا ما نسبت مثل هذه التصريحات إلى مرشد الإخوان الأستاذ مهدي عاكف، أو إلى نائبه الأول الدكتور محمد حبيب، ثم تأتي تعقيبات تزيد الأمر اضطرابا والتباسا، ومن نوع الحديث عن استعداد الإخوان للموافقة على توريث الرئاسة لجمال مبارك بشرط تحسين ظروف الانتخابات، وأظن أن هذا الكلام ـ وما يشبهه ـ مما يسيئ لصورة الإخوان سياسيا، ويستثير موجات من الغضب ـ المكتوم غالبا ـ في قواعد الإخوان وصفوف قياداتهم الوسطي، صحيح أن حملة الاعتقالات الأمنية تحجب هذه التفاعلات جزئيا، وصحيح أن مبدأ الطاعة ـ المعمول به إخوانيا ـ يحجب حق النقد المفتوح للقيادة، وكلها دواعي تسهم في تضبيب صورة الإخوان، ومع التسليم بقاعدة أن سياسة الإخوان يحددها الإخوان، فإن واجب النصح للإخوان يستدعي العتاب المرير، وقد شاركت في حوارات مع أغلب قيادات الإخوان، وعبرت عن اعتقادي بخطأ نظرة الإخوان للانتخابات وللعصيان السلمي، وأن الثمن المدفوع أمنيا في الحالين واحد، ومع فارق ظاهر، وهو أن مشاركة الإخوان في العصيان السلمي أجدى نفعا، ثم أنها أكثر أخلاقية، وأن المشاركة في عمليات انتخاب مزورة تعني انعدام الاخلاق فوق قلة العقل، وأنه لا مصلحة للإخوان في استجداء المصالحة مع النظام القائم، ناهيك عن السعي لعقد صفقة لتسهيل جريمة التوريث، فالنظام الحالي ـ في نسخة الأب أو نسخة الابن ـ لا يريد صفقة مع الإخوان، ويستخدمهم ـ فقط ـ كفزاعة لإخافة رعاته الأمريكيين والإسرائيليين، ولايريد منهم غير الطاعة وضمان التأييد الآلي بلا ثمن مقابل، ومع إطلاق يده الأمنية في دهس الإخوان واعتقالهم في أي وقت يريد، ودون رد فعل من جانب الإخوان .
وربما الأغرب، أن الإخوان يطبقون ـ بانتظام ـ قاعدة إذا ضربك النظام على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، وكأنهم يستعذبون العذاب، ويستمرئون دور الضحايا، وهو ما بدا ملفتا مع اعتقال القيادي عبد المنعم أبو الفتوح بالذات، فأبو الفتوح واحد من أصلب قيادات الإخوان، وأكثرهم انفتاحا على تيارات حركة الوطنية المصرية، وهو من الموقعين الأوائل على البيان التأسيسي لحركة كفاية، وآراؤه قاطعة في رفض التمديد للأب أو التوريث للابن، وفي الدعوة لائتلاف وطني وعصيان مدني شامل، وكلها دواعي لاضطهاده بالذات من قبل النظام، وأخشى أنها ذات الدواعي التي قد تفسر تردد بعض قادة الإخوان في نصرته، والاكتفاء بتصريحات التراخي .


مقال عبد الحليم قنديل الذى صودرت جريدة صوت الامه بسببه



صادر نظام مبارك العدد الأخير من صحيفة صوت الأمة الأسبوعية المستقلة بسبب مقال رئيس تحريرها د. عبد الحميد قنديل بعنوان: (نظام مبارك هو عار مصر، وهو الذي يذلها ويهينها ويدوس أهلها بنعال الأمن المركزي)
والذي ننشره هنا:

نظام مبارك هو عار مصر، وهو الذي يذلها ويهينها ويدوس أهلها بنعال الأمن المركزي
بقلم: د. عبد الحليم قنديل

ليس صحيحا أن مبارك يسكت علي جرائم إسرائيل، أو أنه يقف علي الحياد، بل هو يحارب مع إسرائيل، ويأتمر بأوامرها، وينفذ ما يملي عليه بالحرف والفاصلة، وقد استقبل« ليفني» التي أعلنت الحرب من القاهرة، وبعد لقاء أسري مع الرئيس مبارك، نفس الرئيس الذي أهانته «ليفني» قبل شهور، ووجهت له اللوم والتأنيب في جلسة شهيرة للكنيست الإسرائيلي، ووصفت عمله في غلق «أنفاق غزة» بالرداءة،

وبدت ألفاظها جارحة لرجل في ضعف عمرها، لكن مبارك ابتلع الإهانة كالعادة، ودعا ليفني للقاء خرجت منه مبتسمة، بينما وزير خارجية مبارك يسندها خشية التعثر علي بلاط القصر، وبينما وقف أبوالغيط إلي جوارها كالأرنب المبلول، كانت مجرمة الحرب الإسرائيلية تطلق النفير، وتلعثم أبو الغيط الباهت المرتبك، بينما بدت شجاعته الفأرية ظاهرة في رده علي حسن نصرالله، ونطقه بألفاظ وضيعة ضد السيد الذي جعل الأمة من شيعته، رغم أن أبوالغيط يعرف- والذين عينوه في منصبه- أن ظفر إصبع قدم سيد المقاومة يساوي رأس سيده.


وفي الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل عدوانها الوحشي علي غزة، وتهدم كل حجر، وتسعي لقتل كل البشر، كانت قوات مبارك تخوض الحرب ذاتها في القاهرة، وكأنها احتياطي استراتيجي للجيش الإسرائيلي، وتحول وسط البلد إلي ميدان فزع، تنتهك فيه الأعراض، وتدوس علي كرامة المتظاهرين من أجل كرامة مصر، وتختطف العشرات من الصحفيين والناشطين، وتتصرف كعصابة مأجورة، تحشر المختطفين في عربات الترحيلات، وليس لكي تذهب إلي سجن، ولالتنفذ أوامر اعتقال، بل لترمي خيرة شباب مصر في الصحراء، وبذات الطريقة الحقيرة التي تصرفت بها مع عبدالوهاب المسيري زعيم كفاية الراحل،

ومع كاتب السطور قبل أربع سنوات، بعدها كانت قوات مبارك تكرر جريمة نابليون الذي دهس بخيله حرم الجامع الأزهر، وتدنس صحن الجامع العريق، وتضرب أنبل أبناء مصر بالنعال، وتعتقل القادة من منازلهم، لا لشيء إلا لأنهم قالوا ربنا الله، ولا لشيء إلا لأنهم أعلنوا براءتهم من جرائم نظام مبارك وعصابته، وهتفوا بسقوط مبارك كما هتفوا بسقوط إسرائيل.


نعم، فقد أضاءت نار الحرب ظلام القلوب، ومحت الالتباسات كلها، ومسحت بركة الدم الفلسطيني الغشاوات عن الأبصار، فإذا هي اليوم حديد، وإذا بنظام مبارك قد ضبط متلبسا بالعمالة لإسرائيل، وهي العمالة الموثقة بكلمات مبارك المتلفزة، والتي بدا فيها الرجل شائخا خائر القوي، وحرص علي طمأنة إسرائيل بأنه ينفذ الأوامر، وأنه لن يفتح معبر رفح بغير رغبة إسرائيل، وإسرائيل لا تريد الفتح الدائم لمعبر رفح، وهي تعرف أن المعبر هو شريان حياة غزة، وأنه كالنيل بالنسبة للمصريين، وأن غلق المعبر كردم النيل، وأن غلق المعبر هو المشاركة الميدانية المباشرة في دعم المجهود الحربي لحصار وقتل الفلسطينيين، وإرغام حماس علي الاستسلام، وهو ما لن يحدث، وحتي لو حملوا نظام مبارك إلي نعشه الأخير،

وربما ليس لدي مبارك حيلة في أن يفعل شيئا آخر، فهو يحكم مصر بالغصب، يحكم مصر بغير أدني قدر من الشرعية، يحكم مصر بالتزوير القبيح والفاجر، يحكم مصر كقوة احتلال بمليوني عسكري من قوات الأمن الداخلي، ونظامه يسرق الثروات وينهب الأصول، وليس عنده من فرصة للتصالح مع شعبه، فثمن التصالح أكبر من أن يحتمله، ثمن التصالح أن يخرج مبارك من القصر إلي قفص الاتهام، والذي يخاصم شعبه يعانق عدوه،
وهكذا انتهي أمر مبارك ونظامه، فليس له من ملجأ إلا إلي أحضان إسرائيل، وليس له من سبيل إلا كسب محبة إسرائيل طلبا لرضا واشنطن، ليس له من سبيل إلا أن يصادق إسرائيل ويعادي من تعاديه، وأن يخوض معها حربها التي صارت حربه، وأن يدفع نصيبه في دعم المجهود الحربي لتل أبيب، وهو يفعل ما يطلب منه بالضبط، يحمي سفارة إسرائيل وسفيرها خشية من غضب المصريين، ويغلق المعبر لخنق الفلسطينيين، ويصدر الغاز والبترول لإسرائيل، ويزود الجيش الإسرائيلي بطاقة النار اللازمة لقتل الفلسطينيين،


ايام مبارك الاخيرة



عبد الحليم قنديل
31/03/2008
عقارب الساعة تدور مسرعة إلي النهاية في مصر، والعد التنازلي لنظام مبارك يمضي إلي لحظة الصفر، ولكن من دون أن يكون واضحا إلي أين يذهب البلد العظيم بمكانته في الجغرافيا والبائس بانحداره في التاريخ.
ومبارك نفسه يبدو هاربا من المأزق في الداخل، ومكثرا من زياراته للخارج، ومثيرا لأسئلة حول جدوي جولاته الأخيرة إلي بولندا ثم إلي موسكو، ذهب إلي وارسو في زيارة امتدت لأيام، ومن دون أن يفهم أحد لماذا بولندا بالذات، وهل كانت الزيارة لمجرد تلقي وسام من رئيس أجنبي بعد أن عزت عليه الأوسمة في مصر؟
ثم كان الذهاب إلي موسكو عاكسا لحيرة الأيام الأخيرة، فقد التقي بوتين ـ كما قيل ـ لبحث فرص التعاون النووي السلمي، وفي الوقت الذي لم تحسم فيه القاهرة ـ وربما لن تحسم قريبا ـ فرص اللجوء النووي إلي موسكو، أو تفضيل هوامش حركة أكثر أمانا باتجاه باريس أو واشنطن، وفي الوقت الذي يبدو فيه الطموح النووي ـ حتي لو كان متأخرا ومشوشا ـ سياسة قد تليق برجل يبدأ حكمه، وليس برجل زهق منه كرسي الحكم، وعلي مدي 27 سنة بليدة مرهقة، وأثقلت كاهله سنواته الثمانون التي يتمها في 4 ايار (مايو) 2008، وقد بدا ـ في الصور ـ كمسن ذاهب تطيش يده في الهواء بحثا عن يد الرئيس الروسي المنتخب ديمتري ميدفيديف الذي يخلف بوتين في ايار (مايو) نفسه، وإلي حد بدا معه ميدفيديف مبتسما للمفارقة، فقد كان وجها لوجه مع رجل في ضعف عمره، كان وجها لوجه مع مومياء رئاسية بدت كأثر فرعوني، بينما مبارك يفتح فمه في ضحكة مومياوية، ويتعجب من تقلبات الدنيا التي تلجئه لمصافحة شاب غر يحمل هو الآخر لقب الرئيس، بينما عاصر مبارك ـ في مقام الرئاسة المصرية ـ سبعة رؤساء في موسكو من بريجنيف إلي ميدفيديف!
وفي القاهرة، بدت محنة مبارك أوضح مع وزارته السابعة برئاسة أحمد نظيف، والتي اختار نجله ـ الموعود بالوراثة ـ رئيس وزارئها، وأتي بوزرائها الاقتصاديين بالذات من مجموعته السياسية في الحزب الوطني، وانتهت إلي إفلاس تام لا تفيد معه أوهام ولا أرقام عن نمو اقتصادي غير مسبوق تحت حكم مبارك، بدا الرئيس الشائخ ضائعا بالحيرة والذهول في اجتماعاته مع وزراء الحكومة، وسأل في تعجب عن سر أزمة رغيف العيش، وطوابير الخبز التي تحولت إلي ميادين لحروب أهلية مصغرة، وإلي وظيفة مضمونة لغالبية المصريين إلي آناء الليل وأطراف النهار، وبدا الرئيس ـ المسكون بعقدة الأمن ـ خائفا من العواقب المهددة، خاصة وأن أول حظه السياسي ـ بعد أن عينه السادات نائبا له أواسط السبعينيات ـ كان انتفاضة الخبز في 18 و19 كانون الثاني (يناير) 1977، وربما لذلك بدا مبارك مصمما علي استدعاء الاحتياطي الاستراتيجي في لحظة الخطر، فقد أمر باستخدام احتياطي النقد الأجنبي الاستراتيجي (30 مليار دولار) في شراء كميات كافية من القمح، وأمر الجيش بتكليف جهاز الخدمة الوطنية باستخدام أقصي الطاقة الآلية لانتاج الخبز، بل وفوض الجيش أمر توزيع الخبز بالقاهرة وما حولها.
وبدا التصرف عاكسا لانعدام ثقة مبارك كليا في الجهاز الإداري والمدني لدولته، فقد ترهل وفسد وعجز، ونخر السوس في عظامه، وصارت الحكومة صورية، وربما يكون إبدالها بحكومة مدنية لاحقة دورانا في الطاحونة الفارغة، وهو ما دعا أنصارا لمبارك إلي طلب هامس بتشكيل حكومة عسكرية، وإن بدا مبارك كعادته مترددا، فهو لا يعرف إلي أين تمضي الأمور به مع المزيد من خطوات استدعاء الجيش، ويتعرض ـ في الوقت نفسه ـ لضغوط عائلية هائلة من نجله وزوجته المتورمة النفوذ في الجهاز الإداري للدولة، ثم ان المحنة تبدو أكبر من أن تتجاوزها فكرة العسكرة الظاهرة المباشرة للنظام.
فأصل المحنة في اقتصاد جري نهبه وتجريف قواعده الإنتاجية، وتحول إلي اقتصاد ريع يعتمد علي السياحة ورسوم قناة السويس وتحويلات العاملين المصريين في الخارج، وكلها موارد معرضة للتأثر بتغيرات البيئة الدولية والإقليمية، وقد بدت التغيرات الاقتصادية الدولية الأخيرة عاصفة في تأثيرها علي اقتصاد مبارك الهش، فقد زادت أسعار الغذاء ومنتجات الطاقة دوليا، وتتوالي الزيادات بصورة يومية، وهو ما جعل عبء فاتورة القمح عنصرا ضاغطا بشدة علي فرص بقاء النظام المصري، فقد تحولت مصر ـ مع خراب عهد مبارك ـ إلي المستورد الأول للقمح في العالم كله، وقد زاد سعر طن القمح في السنتين الأخيرتين وحدهما إلي أكثر من الضعف (من 260 دولارا إلي 540 دولاراً)، وهو ما يعني مضاعفة الدعم الموجه لرغيف الخبز، وهي تكلفة فوق طاقة الموازنة المقعدة بعجز يصل إلي ثلث إجماليها، والمثقلة ـ أصلا ـ بأقساط وفوائد ديون خارجية وداخلية تفوق في حجمها إجمالي الناتج القومي.
ولا يملك حكم مبارك أن يسدد فاتورة القمح بغير استنزاف متعجل للاحتياطي النقدي الاستراتيجي، فقد كانت مصر قبل مبارك تستورد ربع احتياجاتها السنوية من القمح فقط، ومع تخريب الزراعة في سنوات حكمه، والتغيير العابث في التركيب المحصولي، فقد أصبحت مصر تستورد أكثر من ثلثي احتياجاتها من القمح، أضف: منتجات الطاقة التي تشتعل أسعارها، وتضاعف ـ أيضا ـ فواتير دعم نقدي سنوي تقدر بخمسين مليون جنيه مصري، فرغم أن مصر بلد مصدر للبترول والغاز الطبيعي، إلا أن انحطاط الصناعة ـ ووأد تطورها ـ جعلها في قائمة المستوردين لمشتقات البترول، وراكم أعباء مالية إضافية، فوق إهدار موارد مالية باتفاقات لصوصية مجحفة في صفقات الغاز الطبيعي بالذات.
أضف: تدهور قيمة الجنيه المرتبط حصريا بالدولار الأمريكي الذي يواصل انخفاضه دوليا، والدولار الآن ـ بسعر الصرف ـ يساوي خمسة جنيهات ونصف تقريبا، وكانت قيمة الجنيه قد نزلت إلي النصف بعد أول قرار اقتصادي لجماعة جمال مبارك لتحرير سعر الصرف في كانون الثاني (يناير) 2003، وهكذا تبدو الصورة مرعبة في تداعياتها، اقتصاد مفلس غير قادر علي توفير الحد الأدني من شبكة الأمان الاجتماعي مع تفاقم مشكلات الفقر والبطالة والعنوسة والغلاء، وتآكل القيمة الحقيقية للأجور، ونزول الغالبية العظمي من المصريين إلي ما تحت خط الفقر الدولي المقدر بدولارين في اليوم للفرد الواحد.
وفوق أزمة الاقتصاد القاتلة لفرص البقاء السياسي، تبدو فضائح النهب العام مدمرة لما تبقي من سمعة النظام المدمرة أصلا، آخر تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات يتهم الحكم بالإهمال وإهدار المال العام في تسعين بالمئة من مشروعات الدولة، والأموال تنزح بمئات المليارات إلي الحسابات الخاصة في الخارج، دوائر اقتصادية مستقلة ترتفع بالرقم النازح إلي 200 مليار دولار، وفي الكتاب الأكثر سوادا الذي أعدته حركة كفاية، بلغت قيمة الأموال المنهوبة في صفقات بيع الأراضي والمنشآت ثلاثة تريليونات جنيه مصري.
وفي الدائرة الضيقة من حول بيت الرئيس تبدو المأساة أفدح، فقد أوكلت للملياردير حسين سالم ـ ضابط المخابرات السابق والمقرب من الرئيس ـ مهام التصرف الأولي في موجودات شرم الشيخ، والتي يقيم الرئيس في قصورها أغلب الوقت، كما أوكلت لحسين سالم صفقة تصدير الغاز لإسرائيل، وبأسعار مجانية تقريبا، وجري تحصين الصفقة من مجرد النقاش ـ دعك من الرقابة ـ في مجلس الشعب، وإلي حد أن الوزير مفيد شهاب رد علي نواب المعارضة والإخوان ـ أخيرا ـ بأن بيانات الصفقة سرية، ولا يصح الكلام فيها لأنها مرتبطة بمذكرة تفاهم سري، وليس باتفاقية دولية يجوز إعلانها ومراقبتها، وهو ما دفع نائبا معارضا لوصف كلام شهاب بأنه قد يصح في قهوة بلدي لا في برلمان، وعقب فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري علي النائب بعتاب، وحذف كلامه من المضبطة، ونصح النائب أن يستخدم كلمة غرزة بدلا من كلمة القهوة البلدي ، و الغرزة ـ في مصر ـ مكان سري منعزل لتعاطي المخدرات وتدبير الجرائم.
والكلام مفهوم بإيحاءات القصة كلها، فليس من حق أحد أن يتحدث عن الرئيس ولا عن أصدقائه، ولا من حق أحد أن يتحدث عن الصفقات لإسرائيل، فلها نفس المزايا السيادية المتاحة للرئيس في مصر، فشبكة الفساد موصولة بخيوطها إلي شبكة الخيانة بالغاز وبغيره، إنها علامات الساعة التي تبدو في البرلمان خالي المقاعد أغلب الوقت، وإلي حد أن هدد فتحي سرور بإغلاقه ربما لفتح غرزة بحد وصفه البليغ! فلم يعد النظام ـ علي ما يبدو ـ في احتياج إلي شكليات برلمانية انتهت بالعوار المفضوح، ويفضل اللجوء المباشر إلي قوة الأمن العاري من ادعاءات السياسة، وهو ما بدا ظاهرا حتي في انتخابات المحليات المقررة في 8 إبريل، فقد أعدت القوائم ـ 52 ألف شخص ـ في بيت الرئاسة، وجري تكليف أحمد عز ـ ملياردير الأونكل ـ بالإشراف علي الصفقة واتاواتها، وجري تكليف جهاز مباحث أمن الدولة برعاية التفاصيل، وجري منع ترشح الإخوان بالجملة، بل وجري منع أعضاء الحزب الوطني الآخرين من الترشح، وخيفة أن يكونوا إخوانا! وهو ما يعني أن الرئيس فقد الثقة حتي في إدارة حزبه، وانتهي إلي حكم منزوع السياسة، والتجأ إلي تكليف جهاز الأمن الداخلي بمعارضة المعارضة والإخوان، تماما كما لجأ إلي الجيش ـ لا القضاء الطبيعي ـ في المحاكمات العسكرية المتصلة بالإخوان.
والانكشاف الاقتصادي والسياسي لحكم مبارك، ولجوؤه المطرد إلي قوة الأمن وقوة السلاح، ودون غطاء من سياسة، ولا مقدرة علي تجديد الرضا الاجتماعي، كلها من عوارض الأيام الأخيرة، بمعني أننا بصدد ألعاب أخيرة لنظام ذاهب، أما ما يجري في الشارع فتلك قصة أخري، فثمة نظام يتراجع إلي خط الكفاف الأمني، وثمة شعب يصحو من غيبوبة، ويتقدم ـ في اطراد ـ إلي عصيان ومقاومة مدنية سلمية، وإلي انتفاضة تستعجل الساعة.




عبدالحليم قنديل:

خرجت جريدة صوت الامة اليوم الاحد ( العدد بتاريخ 15/3 ) لأنه المفروض ظهوره الاثنين وليس به مقال عبد الحليم قنديل وكلام عن اقالته من رئاسة التحرير فى صفقة مع صاحب الجريدة عصام اسماعيل فهمى ( كان محكوم عليه بسبب قضية ضرائب ) والمقال الممنوع يذكر اسم زكريا عزمى ان مشترك فى جريمة العبارة :
ربما لايصح التنكر لجهد قانوني رفيع نهض به فريق الدفاع عن الضحايا في قضية عبارة الموت التي راح ضحيتها ما يزيد علي ألف مصري ومصرية
وربما لا يجوز إغفال أن حكم مستأنف جنح سفاجا جاء أفضل من حكم أول درجة ، ووصل بحكم السجن سبع سنوات لممدوح إسماعيل إلي أقصي المتاح قانونا، وفي ظل توصيف الكارثة علي بشاعتها كمجرد «جنحة»!
لكن القصة كلها ـــ رغم انتظار الثلاث سنوات. لم تعدو كونها سباقا للحصول علي «فأر ميت»، فلا الحكم يشفي غليل الصدور ، ولا هو يصلح عزاء للأمهات والأخوات والآباء المكلومين، ولا هو مكافئ -بأي معيار ـــ لحق الدم ، ورغم انه نهاية المطاف في محاولات الثأر القانوني لدم الضحايا ، وإذا كان حكم القانون بديلاً -في الأعراف المدنية المستقرة - لحكم الغابة ، فإن المفارقة الكبري أننا -رغم حكم القانون- انتهينا إلي حكم غابة حقيقي ، فالمتهم بقتل ألف مصري يظل هناك بعيداً في لندن ، ولن ينفذ فيه حكم السجن الهزيل ، وربما يهزأ في مهربه النائي من أطراف القصة كلها ، من الضحايا والمحامين والقضاة ، ويضحك في كمه من لوعة المكلومين، ومن أفراحهم اليتيمة لحظة النطق بالحكم، ومن ابتساماتهم المنتزعة من أحزان الجلد.
وربمايكون المعني الإيجابي الرمزي الوحيد للحكم أنه انتهي إلي القطع بالإدانة، وأزال حكم البراءة العبثي القبيح الذي انتهي إليه حكم أول درجة، وكأنه لاجريمة ولايحزنون، واستعاد للقضاء بعضا من حيويته وجاذبيته ودواعي الإنصاف فيه، وإن كانت القصة-فيما نظن- أكبر من القضاء، وأكبرمن تحقيقات النيابة، والتي نزلت بحد الجريمة إلي درجة وجنحة «علم ولم يبلغ»، وأكبر من كفاح باسل متصل لمحامين متطوعين- علي رأسهم المحامي ياسر فتحي- في تقديم بلاغات جديدة للنائب العام، أو السعي المتواصل في جمع وتوثيق أدلة لفتح ملف المفقودين، وهو ملف مثقل بوجع القلب، وتسيل فيه دموع أهل لم يعثروا علي جثث أبنائهم ، ولم يتيقنوا من موتهم، ويتحدثون عن شهود عيان، وعن صور متلفزة، وعن رئيس ومحافظين، وعن اتصالات تليفونية، وعن أصوات لأبنائهم تشبه زيارات الأحلام، وعن أدلة قليلة ممسوكة في اليد، وعن نزيف متصل للأرواح والأعمار، وفي دراما مفزعة فيها مرارة وهول ماجري، وغموضه، وحجم الفجيعة المتجددة فيه.
وقد رفض أهالي الضحايا- من الصعيد بالذات- تقبل العزاء في شهدائهم بعد صدور الحكم، وهم علي حق كامل، فشرائع السماء والأرض قاطعة في تقرير الحكم بما جري، وهو أن من قتل يقتل ولو بعد حين، والذين قتلوا هم أبناؤهم وأحبابهم، فيما ظل ممدوح إسماعيل وحماته في مأمن، ولو إلي حين، ظل الجناة في الحفظ والصون وبدواعي السلامة، والجناة ليسوا- فقط-ممدوح إسماعيل وصحبه الصغار في شراكة الموت المباشرة، بل إن هذا الممدوح هو أهون ما في الجريمة كلها، فالقصة ليست في جنحة تنسب إجرائيا لممدوح إسماعيل، بل في جناية تنسب موضوعيا - وبالقطع- إلي نظام، ومن مراكز القمة وصناعة القرار والثروات الحرام، فلم يكن ممدوح إسماعيل شيئا يذكر، وإلي أن قادته ضربة الحظ إلي معية صديقه زكريا عزمي رئيس ديوان الرئيس، والصداقة معلنة ومؤكدة- علي أي حال- باعترافات زكريا عزمي نفسه، ومن وقتها صار إسماعيل حوت البحر الأحمر، والمالك الأعظم لسفن وعبارات نقل المصريين إلي محطات الشرق، والسيد الأقوي في هيئة موانئ البحر الأحمر، وصار من حقه أن يفعل ما يشاء، وإلي حد أن يحشر المصريين كالأنعام في سفن المواشي، وعلي طريقة ماجري في عبارة الموت، وأن يتعامل مع حادثة قتل ألف مصري، كأن بغلة عثرت في طريق، أو كأن طيرا نفق بشربة ماء مسموم، أو كأن لاشئ حدث من أصله، ثم أن يجد سندا من التشكيل العصابي الحاكم، فالعصابة التي صنعته، هي ذاتها التي تكفلت بحمايته وقت الخطر، وتأخرت بمواعيد رفع الحصانة عنه، وبمواعيد إجراء التحقيقات،وتقدمت بمواعيد تهريبه،وإلي حيث أمواله في لندن، وفي سياق تواطؤ ورعاية ظاهرة من السلطات كلها، ثم جري العبث بمشاعر الناس، والتلاعب في تكييف الجريمة، وتحويلها من جناية إلي جنحة، ونظرها هناك بعيدا في الغردقة، وتحصين ممدوح إسماعيل من العقاب حتي إن صدر حكمه، وكل ذلك في مقام الجريمة الأصلية، وهي الأكبر من الجريمة المباشرة المنسوبة- بعد التحوير- لشخص إسماعيل، فقد كان القصد- ولايزال- أن يختفي ممدوح إسماعيل، وربما أن يصمت، وأن تعدم الأدلة في جريمة الذين صنعوا ممدوح إسماعيل، والذين أعطوه فرصة التضخم بالمال، ثم فرصة التلميع بالسياسة، وإلي حد أن أصبح ممدوح إسماعيل قريبا من قلب وعين العائلة، وصدر له قرار الرئيس بتعيينه نائبا بمجلس الشوري، وصدر له قرار الرئيس بتعيينه أمينا للحزب الحاكم في منطقة مصر الجديدة، والتي تسكن بها عائلة الرئيس شخصيا، والمغزي: أن إسماعيل صار علي درجة قربي حميمة من العائلة، وفي موضع الحماية الوثقي، وفي دائرة الصمت عند اللزوم، وقد التزم ممدوح إسماعيل بالعقد الضمني إلي الآن، فهو يعرف مقامه بالضبط، ويعرف أن القصد ليس حمايته كشخص، بل حمايته كوعاء استثمار وملف أسرار، وهو مايصدق فيه وفي غيره، وإن جرت المقادير بغيره إلي العكس أحيانا، وبدواعي ضغط أكبر من طاقة الحماية، وعلي نحو ما جري في قضية قتل اللبنانية سوزان تميم، والتي تنظر- مع حظر النشر- في محكمة الجنايات، فقتل لبنانية واحدة- مع دواعي الضغط الخليجي- ينتهي إلي محكمة جنايات، بينما قتل ألف مصري ويزيد ينتهي إلي مجرد «جنحة» (!)
وقد قدر لي أن أحضر واحدة من جلسات المحاكمة الثانية لممدوح إسماعيل، وضمن وفد من «كفاية» حرص علي التضامن الجدي مع أهالي الضحايا، وبدا كطرف أصيل ممثل للرأي العام في القصة كلها، وفي الجلسة- وهي الأخيرة قبل النطق بالحكم- فجر المحامي محمد الدماطي المفاجأة المسكوت عنها، وطالب باستدعاء رئيس الجمهورية نفسه، والمناسبة: لغز التخلف في إنقاذ الضحايا، وهو أخطر ما في القصة كلها، وعنصر الربط بين مسئولية إسماعيل ومسئولية النظام برأسه، فقد وصلت إشارة الاستغاثة- عبر سفارة أوروبية- إلي السلطات المعنية مبكرا، لكن جهود الإنقاذ تأخرت لساعات طويلة، وإلي الصباح التالي، ولسبب مذهل، فقد كان الرأس نائما، ولايجرؤ أحد علي إيقاظه، أو علي المبادرة بالتحرك دون أوامره.
ويبقي أن القضية كلها تستحق إعادة التحقيق، ومن أول سطر، وبمعرفة لجنة تقصي حقائق من شخصيات عامة مستقلة بالكامل، وتوضع أمامها الملفات كلها، وبغير ذرائع حجب لامحل لها من الإعراب، فحق الدم يبقي معلقا، وطائر الثأر يبقي محلقا، وإلي أن يصدر له قرار محكمة التاريخ لاحكم محكمة الجنح!
إشارات

• الحادثة الخطيرة- محظورة النشر - تعني أن النظام بدأ يتفكك.
• نهنئ الدكتور محمود أبوزيد بإقالته من وزارة الري، فالأسباب كلها تشرفه.
• ونهنئ السيدة سوزان مبارك بقرار تعيين «سفيرتها» مشيرة خطاب وزيرة للأسرة والسكان(!).
• طرح مبادرات إصلاح فات أوانه، ولم يعد من خيار يصلح غير الانحياز للتغيير وبوسائل العصيان السلمي، أو البقاء- محلك سر- في حظيرة التواطؤ مع النظام.. ولو من الأبواب الخلفية.
• التغيير في مصر لن يحدث من مكتب أوباما، بل بائتلاف تغيير سياسي واجتماعي قادر علي كسب الحرية.. ولو بتضحيات الدم.



أشعر بالعار لأنك الرئيس - بقلم: د. عبد الحليم قنديل


أشعر بالعار لان مبارك رئيس لمصر
وهو لا يعرف قيمتها ولا أقدارها ولا جغرافيتها ولا تاريخها ولا ما ملكت ولا ما أعطت وحول بلدا هائل الوزن بحجم مصر الي عزبة بالحجم العائلي
أشعر بالعار لان مبارك رئيس لمصر
وهو الذي لا يملك من الرئاسة مؤهلاتها فلا فوائض عقل ولا زاد من بصيرة ولا حسن بالسياسة ولا شرعية حتي بالخطأ أو بالباطل فلا هو ديكتاتور ذو رؤية ولا هو منتخب ديموقراطيا بل هي الصلافة المحض وتناحة الروح وجلافة اللغة والتصريحات المفرطة في الغياب الذاهل علي طريقة البتاع ده
أشعر بالعار لان مبارك رئيس لمصر
وهو لا يخلص لدم ولا يستذكر نسبا لأمة ويتصرف كموظف أرشيف أو كأمين مخزن زاغت مفاتيحه جاءت به الصدفة إلي رأس بلد كان تاج الرأس وانتهي به الي بلد بالصدفة انتهي بنا الي مقلب نفايات وبواقي فساتين وبقايا صور وأكواب مهشمة
وتراب يثقل القلب وجعلنا نشعر بالخجل من اسم مصر فقد حول علونا خفضا ونزل
بنا من حالق الي الفالق فلا مكانة ولا دور ولا كرامة من أصله ولا فرصة للمقارنة
إلا مع دول من نوع جيبوتي و الصومال و بوركينا فاسو ففقرنا من مهانتهم نكاد
لا يرانا أحد كما لا يراهم أحد وقد يكون لهم عذرهم ولنا العذر بالرئيس الذي هو
انكي من العذر بالجهل
أشعر بالعار لان مبارك رئيس لمصر
وهو الشخص الذي كانت غاية أحلامه منصب سفير في بلد الإكسلانسات أو رئيس لشركة طيران وانتهي بالبلد الي مزاد البيع في سوق الإكسلانسات
أشعر بالعار لان مبارك رئيس لمصر
فهو يستحق ان يُحاكم لا ان يحكم ان يفزع لا ان يفزعنا ان يعزل لا ان يسأل ان تذهب ريحه لا ان يذهب باسم مصر لها المجد في العالمين
نعم يا مبارك أشعر بالعار لانك الرئيس أشعر بالقرف أشعر كأني أريد ان أتقيأك
د / عبد الحليم قنديل
جريدة الكرامة


تحميل  كتاب:كارت أحمر للرئيس

 

يسعدنا ان تنضم الينا

ترجمة فورية

share

Subscribe

AA

v

free counters

v v

free counters

شارك

go


Powered by Forum

alexa

a l e x a

review http://haneenayahoo.blogspot.com/ on alexa.com

جريدة الفجر

اعلام

free counters

صوت الحب مشتل كرم

صوت الحب مشتل كرم
صوت الحب مشتل كرم