الرئيسية

الخميس، 27 يناير 2011

المصريون متلهفون للثورة

أصبح محمد بوعزيزي، الشاب التونسي ابن السادسة والعشرين الذي أحرق نفسه في كانون الاول وأشعل الدولة كلها، بطل الثورة التونسية. وقد بدأ اللهب يتعلق ايضا بحواشي دول عربية اخرى ولا سيما مصر التي جربت الى الآن ثماني محاولات انتحار 'على خلفية اقتصادية'، أثارت الخوف من ان يتحول الامر الى بدعة مهدِّدة. أسرعت الحكومة الى تعريف المنتحرين بأنهم 'متخلفون عقليا أو يعانون اختلالا نفسيا'، وجعلت صحيفة 'الشروق'، وهي ليست من مؤيديها، تفحص عن هذه الدعوى وعن الوضع النفسي لمواطني مصر عامة. وأدهشت النتيجة محرري الصحيفة.
أنذر عالم النفس الدكتور خليل فاضل قُراء 'الشروق'، ان '80 في المئة من مواطني مصر يعانون امراضا أو اختلالات نفسية بدرجات خطورة مختلفة، وان نسبة حالات الانتحار بين المواطنين الذين يُعدون أصحاء أعلى كثيرا منها بين اولئك الذين يُعدون مرضى'.
أوضح الخبير النفسي لسكان وادي النيل وجود سبب مميز للانتحار: 'إن نفس المصري عزيزة عليه جدا، ولا يوجد لمشاعره الفرعونية موازٍ عند الشعوب الاخرى'. ما هي 'المشاعر الفرعونية'؟ يزعم الدكتور فاضل ان الحديث عن شعور عميق بكرامة الذات، عندما يصادم الشعور الشديد بالاهانة التي تسببها معاملة السلطات ولا سيما الشرطة، 'فلا مخرج سوى هجران الحياة'. يعتقد الخبير النفسي ان المنتحرين المصريين يؤمنون بأنهم يستطيعون بالانتحار ان يسجلوا لانفسهم انجازا بطوليا.
كرامة أو بطولة، اهانة أو توتر نفسي، لقد أصبح التهديد بالانتحار في مصر سلاحا سياسيا واجتماعيا. فعلى سبيل المثال حذر عشرات من عمال مصنع النسيج 'مصر المنوفية'، من انهم سيحرقون انفسهم اذا لم يستجيبوا لمطالبهم في ان يدفعوا لهم فروق الأجور ويمنعوا اغلاق المصنع. لا تكتفي سلطات مصر بالتفسيرات العلمية لظاهرة الانتحار، ومع الأخذ في الحسبان عدم الهدوء الذي تثيره الأحداث في تونس وقُبيل الانتخابات للرئاسة المتوقع اجراؤها في ايلول (سبتمبر)، تسارع الحكومة الى اتخاذ تدابير قد تخفض التوتر في رأيها.
فعلى سبيل المثال استقر الرأي على زيادة عدد الحوانيت التي تبيع خبزا مدعوما وعلى تعليق خطة بيع اسطوانات الغاز بحسب بطاقات استحقاق. ربما تبدو هذه خطوات ضئيلة قياسا بقوة عدم الرضى، لكن هذه بالضبط هي المواضيع التي جعلت مواطني مصر في الماضي يخرجون الى مظاهرات، ويصرخون في الشوارع بشعارات مضادة للفساد ويطلبون من الحكومة ان تؤدي عملها.
قبل سنة نشأت ازمة كبيرة في الدولة بسبب النقص في اسطوانات الغاز التي توزع بحسب حصة. ارتفعت اسعار الغاز ارتفاعا مخيفا من اربعة جنيهات مصرية للاسطوانة ـ السعر الحكومي ـ الى نحو ستين جنيها. أصبحت المظاهرات قرب اماكن التوزيع تهديدا سياسيا حقيقيا. فقررت الحكومة تخصيص حصص لكل عائلة وتحديد سعر للاسطوانة الاولى، وسعر أعلى لاستعمال الاسطوانة الثانية. هذا القرار الذي كان يوشك أن ينفذ في الفترة القريبة أثار احتجاجا عاما مرة اخرى ربما ما كان ليثير أحدا لولا الثورة في تونس التي جعلت كل مظاهرة في مصر الآن تُعد تهديدا.
وتوجيه مثير آخر هو التوجيه الذي وجه الى موظفي الادارة في جميع المستويات ان يعالجوا سريعا وفي نجوع مطالب المواطنين ، وقمع المظاهرات لكن بغير استعمال القوة.
ويُبلغ محررو الصحف ايضا انه توجه اليهم في الايام الاخيرة مسؤولون كبار من الحزب الحاكم طالبين الامتناع عن الثناء على جمال مبارك المرشح غير الرسمي للرئاسة، وأن يُليّنوا كذلك التقارير الاخبارية عما يجري في تونس مع تأكيد الفروق بين الدولتين، مع زيادة تفسير ان ما حدث هناك لا يمكن ان يحدث هنا.
وتلقت المؤسسات الدينية الملحقة بالسلطة ايضا أمرا من وزير الأوقاف، محمود حمدي زقزوق، بأن يوجهوا الخطباء والوعاظ الى التنديد بالانتحار، وأن يحذروا المصلين من ان كل منتحر لأي سبب كان، مصيره جهنم، وأن يُذكروهم بأن أكثر أصحاب الجنة هم من الفقراء.
أوضح الدكتور بطرس غالي، وزير الاقتصاد المصري في الاسبوع الماضي ان الفرق الجوهري بين مصر وتونس هو ان نحو 10 في المئة من الانتاج الوطني الخام في مصر يذهب لمساعدة الفقراء، وان اقتصاد مصر يعتمد على سوق حرة وعلى قطاع الاعمال، قياسا بتونس التي يدفع فيها الجمهور عن ارتفاع الاسعار.
يتوقع في هذا الشهر ان تجيز الحكومة خطة قروض واسعة النطاق تحت عنوان 'حقق أحلامك'، وترمي الى تمكين موظفي الحكومة من تلقي قروض بشروط أسهل من المصارف لتحسين ظروف عيشهم أو لقضاء الديون أو لافتتاح مصالح صغيرة. وفي اطار الخطة سيتمتع المستدينون بفائدة قليلة تبلغ 5.7 في المئة في السنة، ومدة إرجاع تبلغ خمس سنين الى سبع. لن يزيد قسط الارجاع الشهري على ثلث المرتب، وفي حالة الاقالة أو الاستقالة من العمل لن يُطلب الى المستدين أن يُعيد القرض وسيُدفع من صندوق خاص تنشئه الحكومة. والتقدير ان نحو 6 ملايين من عمال الدولة سيتمتعون بهذه القروض وانه سيُقسم في غضون سنتين نحو 15 مليار جنيه مصري بين المستدينين. سُجل الى الآن للحصول على القروض نحو 100 ألف عامل دولة.
أهذا ما سيساعد على صد تأثير تونس؟ 'ليست المشكلة في مصر الفقر والبطالة فقط. فما زلنا لم نسمع عن خطة لصد الفساد والغاء نظام الطوارىء'، كتب محلل مصري. وعندما يكون الحديث عن هذه الامور فمن المشكوك فيه ان تستطيع الادارة المصرية اقناع مواطنيها بوجود فرق جوهري بين مصر وتونس.

هآرتس 26/1/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

علق على الموضوع وادينى رأيك