لم تنم الحاجة ليلى مرزوق، والدة خالد سعيد «شهيد التعذيب» ليلة سقوط الرئيس كما نامت من قبل، ظلت تهتف حتى ساعات الصباح الأولى من أعماق قلبها وتلوح بعلامات النصر، وهى تحتضن صورة فلذة كبدها على وسادة ضمتها إلى قلبها وصدرها وهى تردد «حق ابنى رجع»، «مبروك لشباب مصر»، «ما حدش هيخاف من الإعتقالات والتعذيب تانى»،
هكذا تحدثت الأم من الطابق التاسع فى شرفة تطل على الملايين الهادرة فى ميدان التحرير، كانت الفرحة تطل من عينيها، وكانت القبلات تنهال فوق رأسها وجبينها من كل شباب مصر الذين تواجدوا فى تلك اللحظة التاريخية، بينما كانت يدها تلوح إلى أبنائها، والجميع ينادونها «أمى.. مبروك يا أمى»، أصبحت والدة خالد سعيد «أم الثوار»، و«أم المصريين»، وصار ابنها «أيقونة الحرية».
«المصرى اليوم» التقت الأم الصابرة، واحتفلت مع أسرتها بيوم الحرية، وكان حواراً مفعماً بالأحاسيس، وفاضت فيه المشاعر، فى ليلة لم تشهد لها مصر مثيلاً.. وإلى تفاصيل الحوار..
■ سـألتها عن مشاعرها كأم رأت ليلة الحرية التى لم يرها ابنها الشهيد فقالت:
- والله العظيم فرحانة، مش قادرة أعبر عن اللى فى قلبى، كان كابوس وانزاح عن القلب، أسعد خبر فى حياتى إنى سمعت الرئيس يتنحى، صحيح هو المسؤول عما حدث لابنى ولشباب زى الورد، لكن أهم شىء إنه ذهب إلى الأبد، ومصر هاتتنفس حرية من جديد، وخالد أنا شايفاه فرحان - تغالب دموعها ثم تقول - أنا احتفلت بعيد ميلاد خالد يوم ٢٧ يناير، ثالث يوم فى الثورة، و«الليلة دى باحتفل بزفافه للحور العين»، خالد كان نفسه يتجوز، أنا شفته فى المنام راكب حصان أبيض، وواثقة إنه فرحان بنصر مصر وبيتهنى فى الجنة.
■ المجموعة التى عملت جروب خالد سعيد.. ماذا تقولين لهم؟
- ما شاء الله عليهم، أنا حسيت أنهم ولادى، أنا بشكر وائل غنيم قوى قوى، لإنه كان محسسنى إن خالد ابنى عايش، شفت فى الشباب صورة ابنى، «غنيم» أعطانى إحساس إن صورة خالد على الكمبيوتر هى اللى قادت الثورة، وكأنه اللى ماسك الموضوع، علاقتى بهم زى الفل، وخاصة وائل، لأنه كان بيدوب فى خالد، ولما خرج من السجن وعرفت إنه هنا كان بيعيط وهو بيتكلم مع الشباب فى ميدان التحرير، كان بيتكلم من غير ورقة، أنا لما طلعت أتكلم وسط الشباب قالوا لى اتكلمى من ورقة وأنا رفضت، كنت أتكلم من غير ورقة، لإنى باتكلم من قلبى، الريس كان بيكلم شعبه من ورقة، مش عارف يتكلم معانا من غير ورقة، وما حدش كان مبسوط.
■ تحبى توجهى كلمة للريس، تحبى تقولى له ايه؟
- أقول له «مع السلامة» و«كتر خيره»، إنه مشى وسابنا، وتنازل عن حقه - بتهكم - «اللى بيقول إنه حقه»، بس يا ريت يرجع فلوسنا اللى أخذها، لكن هو ماعدش ليه دعوة بينا، إحنا تحررنا خلاص.
■ بعد انتصار ونجاح الثورة.. هل ستواصلين القضية ؟
- طبعا، القضية وصلت لدرجة كويسة، ما ينفعش حد يقصر فى دم الشهيد، الدكاترة نفسهم قالوا إنه لا يمكن واحد عايش وبيتنفس يبلع حاجة زى دى - لفافة البانجو التى قيل إنه بلعها ومات بسببها -، كل دى اتهامات، ما فيش حرز أصلا، القضية فاضل لها جلسة بالكتير وتخلص، بس المتهمين هربوا من السجن من أسبوع، بس أنا واثقة فى القضاء، ولو هربوا مش هايفلتوا من ربنا ومن عدالة السماء .
■ إذا قابلتى المتهمين اللى قتلوا خالد، وعينيك جت فى عينهم، تقولى لهم إيه؟
- تتنهد بعمق، والله أنا بقول لبنتى ما تدعيش عليهم، هم بيعملوا الظلم ده غصب عنهم، لكن أنا اللى يهمنى إن اللى حصل لابنى ما يحصلش لأى شاب تانى، صحيح الشرطة فى إسكندرية بهدلتنا، وساومتنا، وعرضوا علىّ رحلة حج مرتين، وغيروا بواب العمارة، ومنعوا الناس تطلع لنا، وحاولوا يمنعونا من دخول المحكمة، بس كل شىء هايتغير، أنا مش هاسكت، وربنا كبير.
■ أنت هنا فى ضيافة أخ قبطى، فتح بيته لك وللثوار.. كيف ترين وحدة المصريين؟
- يا ابنى عمرى ما حسيت إن فيه فرق، و«بيير» صاحب الشقة دى إنسان جميل وبيحب بلده، وعاملنا أحسن معاملة، صدقنى الظلم اللى بيخلى الناس زعلانة، المسيحيين اتظلموا من الحكومة مش من الشعب، زى ما أنا ظلمتنى الحكومة، ودلوقتى كل المصريين هايعيشوا فى سعادة بإذن الله.
■ حضرتك شايفة الأيام اللى جاية ازاى؟
- أيام كلها خير لمصر والمصريين، خلاص إحنا تحررنا، أنا تكلمت مع شباب كلهم أمل، هايعملوا مشاريع كبيرة ممتازة، كلهم بيحبوا مصر، أنا حاسة إن الخير جاى، أنا واثقة إن الشباب اللى عمل الثورة هايعمر ويبنى مصر، ومش هيكون هناك عمال يتم تسريحهم، وشركات يتم خصخصتها، حرام اللى كان بيحصل ده، الشباب هايرجع الشركات ويشغل المصانع، وبكرة أحلى أحلى أحلى.
يقطع الحوار عدد من الشباب، منهم الإذاعى معتز مطر، وإسلام جميل، وغيرهما من الشباب، الذين انحنوا على رأسها ويدها تقبيلا وحباً، وقالوا «ابنك مفجر الثورة، هو اللى عمل كل ده، خلى بالك من نفسك يا أمى».
■ نعود فنسأل الأم التى باتت ليالى الثورة تراقب النصر، ما أصعب الأيام التى عشتيها فى ميدان التحرير؟
- أنا جيت يوم ٢٦ عشان أحتفل بعيد ميلاد خالد تانى يوم الثورة، لكن يوم الأربعاء ٢ يناير كان أصعب يوم، لما الضرب بالرصاص اشتغل، والبلطجية هجموا على الشباب بالجمال والأحصنة، كانت ليلة صعبة، شفت ولادى حبايبى بينضربوا بالرصاص، وشهداء كتير سقطوا بس هم عند ربنا أحياء، الأيام اللى فاتت كانت صعبة جدا، بس ربنا نصرنا والحمد لله.
■ هل كنت تتخيلين أن يكون هذا المشهد بسبب ابنك خالد سعيد؟
- لا يمكن.. لا يمكن، أنا كنت آجى هنا كل يوم، أنا فرحانة بالملايين اللى نزلت، وسعيدة إن روح خالد سعيد سكنت، وشايفة خالد فى وسطيهم، كان بيتهموه إنه بلع لفافة بانجو، ابنى مات شهيد التعذيب، ما فيش حرز أصلا.
■ لو وصل صوتك لكل شاب هنا فى ميدان التحرير.. ماذا تقولين لهم؟
- أقول لهم ألف مبروك، مبروك لشعب مصر سقوط نظام القهر، ما حدش يقدر يلمسهم، يقدروا يخرجوا فى أى وقت دلوقتى، ماحدش هايمسكهم أو يضربهم، يروحوا البحر، يخشوا الجامع، يصلوا الفجر، ما حدش هايمسكهم، ما حدش هايعتقلهم، فى الأول كان ده بيحصل، مش كده.
■ الشهور التى مرت على وفاة ابنك وحتى تنحى مبارك، كيف مرت؟
- ٨ شهور صعبة قوى، خالد استشهد فى شهر يونيو، لكن الحمد لله أنا دلوقتى استريحت، ومن النهارده هالبس الأبيض، مش هالبس إسود ثانى، ولما أروح إسكندرية، هادبح عجل لخالد، وأعمل عزومة لكل شباب مصر .
تتدخل ابنتها زهرة فى الحوار، وعم الشهيد الدكتور على قاسم، وتسألها زهرة، تعبتى يا أمى، فترد «لأ يا بنتى.. مبسوطة»، يحكى العم أن لديه الكثير ليقوله لشباب مصر «يا ريتنا قدمنا ١٠٠ خالد سعيد»، وتقول زهرة «لما سمعت خبر التنحى كانت مشاعرى مختلطة.. بكيت على أخى ثم زغردت للحرية».
■ أعود لأم المصريين، وأسألها: كيف تفسرين فرحة الشباب والملايين اللى كلها حماس واللى نزلت أرض التحرير؟
- من حقهم طبعا، وأنا نزلت لهم النهارده مرتين، وقلت لهم ما تخافوش، تقدموا للأمام، وإوعوا ترجعوا فى كلامكم ولا خطوة للوراء، ما تخافوش من أى حد، خالد قال «لأ» ومات عشانها، ولازم الخوف يموت، وما حدش هايعرف يضربكم تانى، وبكرة تعرفوا إن الحرية تستاهل، وأولادكم هايعيشوا بكرامة، وما تسمحوش لحد يخطف ثورتكم.
انتهى الحوار السريع مع أم من طراز مختلف، أم للمصريين.. كل المصريين.
هناك تعليق واحد:
فين حق الثورة اين طالبات الثورة لا اخلاء للثورة من ميدان التحرير
إرسال تعليق